الثورة – لميس علي:
لمدة لن تقل عن نصف الساعة، تسود حالة من الإيقاع البطيء لسير أحداث الفيلم الدنماركي (جولة أخرى، Another tound)، تستجر شيئاً من الملل لدرجة قد يتساءل المتفرج: ما السبب الذي جعل هذا الفيلم يحصد جوائز عالمية ويرشح لأخرى..؟
بعد ذلك بقليل نتلمس بزوغ صلب حبكته الأساسية التي تدور حول أربعة أصدقاء مدرسين في إحدى الثانويات.. وتميل الحكاية أكثر صوب مدرس التاريخ (مارتن، مادس ميكلسن)، الذي يحيا أوضاعاً غير مستقرة وغير مريحة في كل من العمل والبيت.. ولهذا تبدو عليه علائم التشتت وربما الاكتئاب.
النقطة الفاصلة التي ستغير من درجة تصاعد أحداث العمل تكمن بلحظة اجتماع الأربعة (مارتن، تومي، نيكولاي، بيتر)، بمناسبة عيد ميلاد نيكولاي الذي يبدأ يحدّثهم عن نظرية لأحد الأطباء النفسيين “سكارديرود” والتي تقول إن الإنسان يولد وفي جسمه نسبة من الكحول هي ( 0,05% )، وفيما لو حاول الحفاظ عليها لربما تتحسن أموره ومزاجيته.. فيتفقون على تطبيق هذا الرأي وتسجيل ملاحظات حول تجربتهم.
عند هذه النقطة يبدو الفيلم وكأنه يسعى لحصد تميّزه بطرق غير تقليدية.. أو النظر بطريقة مختلفة للأشياء المتعارف عليها سلفاً لدى الغالبية..
هكذا ينشغل الأصدقاء بتطبيق تلك النظرية، وبالفعل سيتحسن أداء كل منهم وستظهر فوائد من قبيل التجريب المحدود والمحدّد لكن ليس غير المشروط.. وهنا بالضبط خرجت أمور كل واحد منهم عن سيطرته حين بدؤوا بزيادة عدد الجرعات المتفق عليها ليقعوا في مشكلات لن تكون في الحسبان..
فكانت أهم ضريبة دفعتها مجموعة الأصدقاء بسبب تجربتهم تلك أن قام “تومي” بإنهاء حياته مع كلبه..
على ما يبدو أن “تومي” لم يحقق ذاك التوازن الذي كان هدفهم.
وللحقيقة، لم يكن الأمر، بعمقه، حول إثبات صحة تلك النظرية مقدار ما كان الوصول إلى التوازن ما بين الانطفاء والاشتعال، القدرة على إيجاد حالة وسط..
كيف تحافظ على حماسك وشغفك بالأشياء من حولك وبالحياة وما فيها..؟
هو المحور الأهم ضمن كل ما يناقشه الفيلم.
وأيضاً، لربما كانت إحدى أجمل تلميحات (جولة أخرى)، إخراج توماس فيتنبرج، أن كيف تجعلك الحياة وظروفها تنقلب من الضد إلى الضد في أوقات كثيرة.. لكن المهم أن لا تصل إلى “الحافة” في أي مكان تقف عليه.. ألا تعرض نفسك لمخاطر وهزائم يمكنك تجاوزها، لا العيش على أنقاضها.
ثمة إسقاطات كانت غاية في الذكاء تمّ تمريرها خلال دروس التاريخ التي يلقيها مارتن على طلابه.. كما في حديثه عن تشرشل أو هتلر أو همنغواي.. كل من هؤلاء كان عظيماً وبذات الوقت امتلأت حياته أو شخصيته بسلبيات لايذكرها التاريخ.
(جولة أخرى) فيلم يتشبع بظلال الحياة وتلاوينها المختلفة.. وأجمل إيحاءات مباشرة نقلت ذلك كانت عبر الأغاني التي تمّ توظيفها ضمنه لاسيما أغنية النهاية (يا لها من حياة، What a life) التي اشتملت على رقصة مارتن وكأنه تمكن نهاية من مراقصة الحياة والاستمتاع بمختلف أنغامها التي ترسلها إليه..
تلك الرقصة التي امتلأت حيوية وحركة مفاجئة كانت أكثر من فوز على مرارات العيش.. ومثّلت بالوقت نفسه ذروة أداء أكثر من لافت قدّمه (مادس ميكلسن)، عبر تجسيد لشخصية متطورة تفاجئك على طول خط سير تفاصيل الحكاية.
قُدّم العمل مؤخراً ضمن فعالية (بيت السينما، كندي دمشق).
