منذ بداية الأحداث في سورية لعبت الحكومة التركية ممثلة برئيس وزرائها سابقاً ورئيسها الحالي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته السابق أحمد داوود أوغلو دوراً سلبياً في مساراتها، ووقفت ودعمت “المعارضة المسلحة”، وتبنت وجهة نظرها، وعملت على تسويقها سياسياً وإعلامياً إضافة إلى توفيرها البيئة الاستراتيجية الحاضنة للإرهاب المنظم الذي واجهته سورية جيشاً وشعباً ومؤسسات، هذا الموقف السلبي جعل من الحكومة التركية شريكاً في القتل والدمار الذي شهدته الجغرافيا السورية وهو ما لا ينسجم مع مصالح الشعبين السوري والتركي والمستوى المتميز الذي وصلت إليه العلاقات بين البلدين قبل الحرب على سورية والانفتاح السوري على أنقرة وما أحدثه ذلك من تحول مهم في مسار العلاقات العربية التركية التي كانت ذات طابع سلبي ولمدة تزيد على قرن من الزمن. لقد حرصت القيادة السورية وعلى رأسها السيد الرئيس بشار الأسد على التمييز بين موقف الحكومة التركية السلبي من الأزمة السورية وبين مواقف الشعب التركي وبعض القوى السياسية الإيجابي منها إدراكاً منا بأن لا مصلحة للشعب التركي في هكذا سياسات لا عقلانية وأحادية الرؤية، وإنما ثمة مصلحة شخصية ضيقة تتعلق بالرئيس التركي وانتمائه الأيديولوجي الإخواني وسعيه لتحقيق أحلام وأوهام تعشش في مخيلته السياسية وجد في الأزمة في سورية منصة انطلاق لتحقيقها دونما أي اعتبار لمصلحة الشعبين السوري والتركي الذين تربطهما أواصر الجغرافيا والتاريخ والثقافة والدين.
لقد أكد السيد الرئيس بشار الأسد في كل الحوارات واللقاءات التي خص بها وسائل الإعلام التركية مطلع الأزمة على الدور السلبي للحكومة التركية في مسارات الأزمة التركية، وانعكاس ذلك على مصالح الشعب التركي إضافة للدور السلبي الذي يطلع به أردوغان في المنطقة وارتباطه الكامل بالمشروع الأميركي وخدمته للكيان الصهيوني وهو ما يتناقض تماماً مع مواقف الشعب التركي وطبيعة انتمائه وارتباطه المصيري بشعوب المنطقة، وانعكاس ذلك على الأمن القومي لتركيا ولاسيما أن المنطقة بشكل عام تشكل بيئة استراتيجية ومنظومة أمنية واحدة، ما يجعل من أي تداعيات أو نزاعات في أي بلد من بلدانها ينتقل بشكل تلقائي إلى باقي بلدانها وشعوبها بحكم التكوين المتشابه لبنيتها الاجتماعية والثقافية والروحية.
إن عقلنة السلوك السياسي ومراجعة السياسات الخاطئة والفاشلة ووضع الاعتبارات العامة والمصالح العليا لأبناء شعوب المنطقة وتقديمها على المصالح والطموحات الشخصية والأوهام الفردية ومصالح القوى الكبرى أصبحت مسألة في غاية الأهمية والوضوح ولم يبق من الوقت ما يكفي لاستمرار هكذا سياسات حمقاء، من هنا تأتي أهمية دور النخب السياسية ووسائل الإعلام والقوى المجتمعية الحية في دول المنطقة، وخاصة تلك المنخرطة منها في الأزمة في سورية في تهيئة الرأي العام ليقوم بدوره في وضع حد لهكذا سياسات لا تخدم مصالح شعوب المنطقة ومستقبلها في الأمن والاستقرار والازدهار لتعود العلاقات بين دول المنطقة إلى سابق عهدها وتنطلق نحو آفاق واسعة وواعدة تدفع بها قدما إلى الإمام.