سمكري الهواء: الكتابة المضادة..

الملحق الثقافي – أحمد علي هلال:

إذا كان كل عنوان، وكما يذهب «كونجور» يُؤسّس غواية النص، فإن ما يذهب إليه الشاعر سرجون كرم في عنوانه المفارق «سمكري الهواء» ليضعنا على أفق تأويل للعنوان بوصفهِ علامة تقوم على الإيحاء والانزياح والإبدال، ليتخذ -العنوان- أكثر من كونه علامة لغوية مقتصدة بدالين صريحين، يحيلان إلى المتون النصية، والأدلّ يَشيان بها، وبمضمراتها الشعرية، الفادحة التأويل، دون أن نذهب لتبسيط بعينه، طالما أن الغواية ستسفر عن غوايات، ستتخفف من ثقلها (النحوي)، إلى فيض دلالي مشع، في بنيات أو بُنى النصوص المحكمة وتراسلها وتواترها الضروري، أي في فضاءاتها النصية وبقيمها الفنية المشبعة، أبعد من حيازة شكل فني بعينه، وفي ضوء ما يقترحه النص رؤية وأفعالاً شعرية محكومة – على الأرجح- بأسئلة شعريتها، تلك الأسئلة العابرة للنصوص، قيماً وتشكيلاً، وقصدية بالتحامِ الثيمات القارة، ومناددة أسئلة الشعر والحياة، والكتابة، والحنين، واقتفاء أثر الظلال الهاربة، من ذاكرة المدن والأسماء، ويما يُخلقّه، الشاعر – في محكياته الشعرية- من ممكنات جمالية، لا تطمئن للمستقر، وأنساقه القارة، وبديهياته الساكنة، وليكون صوته، صوته في تقحّم المألوف، وهدم ما يمكن هدمه، فكل كتابة ستحمل نقيضها وجدلها المؤلف لطاقة النصوص وعناوينها الإشهارية، يقول الشاعر: «هذه الساحات الفارغة/ تخطو خطوتين إلى الوراء/ كي أمرّ بعّدة السمكري/ أُصلح الهواء/ أشد براغي الحجابْ/ وأبدّل السماء بجرس كنيسة»، هكذا ينادد الشاعر -سرجون- المضمر والنسق، ويُضارعهُ مُتوسّلاً أسطورته الخاصة، في استدعاء الصورة وجدل مكوناتها البنائية، وتعبيرها المُحتدم… «هل لديكم في قوافلكم مكان لبحر يلعقُ الدماء عن يديه للمنبوذين»، وأيضاً: «بحثاً عن وطن الكلمات، أحب حكايتي كما هي»… «كان جميلاً/ لو أني استطعت قراءة قصة الأمير الصغير/ إلى ما بعد الصفحة العاشرة/ وجميلاً كان لو أن النشيد الوطني يعزف على وتر الطمأنينة عندي».
وستتبدى للقارئ/ العلامة التي ينشدها النص، وبأبعاد درامية تستبطن، توق الذات الشاعرة، لما يُعادلها سلاماً ناقصاً، وطمأنينة وارتياب، بمركوز الحكاية التي تشيّدها الكلمات/ اللغة/ الفكر، وقلق الكينونة، حياة مرسلة كقصيدة حرّة، لا تواسي عطب الروح، بقدر ما تفترع له فضاء يستوي فيه رعشه، وهواجسه الأعلى، وفي ذلك الانهمار الوجداني/ العقلي، وسيولةُ استدعائه، ليرتطم بغيبوبته الواعية، وبحرارة أسئلته، يمكن للشاعر أن يذهب لمراياه بأفعال «السمكرة» وعلى نحوٍ مُفارق، لتتحول إلى دالّ شعري بامتياز، تقف على خيطه الرفيع، الأحلام والذكريات، واستدعاء الطفولة، وبما يستقيم لها تقنياً من استراتيجيات التضمين، والتناص، والامتصاص، ومحايثةُ المسند إليه في النص «يجلس المغني وحيداً/ يُلون صورة ثاني اثنين في الغار/ وهو ينشج مزموره لصاحبه/ يا هند بنت عتبة يا أمنا العنكبوت/ لا تموتي/ لكي نبقى أحياء/ نركب التاريخ دابّة في جغرافيا الخيال».
تتصاعد النصوص، بمعمارية طليقة، وبحدائق معلقة، أقرب إلى برجها البابلي، ما بين سيرورة، وصيرورة، تأخذ الأفعال والحروف دلالتها المشعّة في سياقات الاشتغال على كثافة باهرة، تمنح قفلة الكلام خدَر المعنى، وعمقه التصويري/ الايحائي، الحركي المتسارع تورية وكشفاً: «الأفعال الخمسة على الحروب السبعة، أقرع الباب/ يفتح/ أو قل/ أستعير قلبي/ وأخرج».
في مخاتلة المعنى، لدينامية تأويلٍ مخصّب يجهر الشاعر بقوله: «أنا لا أُتقن كتابة الشعر/ ولكن يدي جميلتان/ تطرزان الجنين في دمي/ ترفعان قبة الكون لي بيتاً في بطن أمي».
فمن الخاص إلى العام، يفترع الشاعر جدلياته، وتضاداته، ليعضّد غير تأويل لنصوصه المتماهية مع ذاته «إنني القصيدة التي تكتب بشراً» في منادمة الفراغ واليأس والعزلة، والأحلام والعشق والموت في نصوص تحمل صدمة ما بعد الحداثة، في حساسيتها الخالصة وتمردّها وارتيابها، طموحاً إلى المابعد، رؤية واستشرافاً، ومداعبة لخيال متلق أثير: «على مشارف أن أكتب آخر قصيدة في حياتي/ وبعدها سيكون لي شأن عظيم/ في الحب/ في السلطة/ في الأشياء الصغيرة التي تضحك الأطفال».
وليمضي الشاعر سرجون كرم في سرديات المدن، والأشخاص بهدوء محسوب، متعالقاً بالتوتر، وبنزوع ميتافيزيقي: «ليكون لي شأن عظيم/ في الموت/ وهو يكسر محبرة الشعراء/ ويفتح الباب/ للأنبياء».
ولحساسية، هذه الشعريات العالية التي تمتحُ من رؤيا مستحضرة «هايدلبرغ، بيروت، قسنطينة وغيرها، وزرياب والسياب وبورخيس، وسارتر ورامبو وأوشو، وابن عربي وأبي ذر الغفاري» وغيرهم، في ذاكرة تحتشد بالأسماء/ الأفعال مناددة، أو مفارقة أي في استنكاه الموروث، ودمغه بحداثة ناجزة، تأخذ غير بعدٍ ثقافي/ إنساني، ليُعاضد كل ذلك بموقف نقدي/ تجاوزي يوطّن المعاصرة نسقاً، وسلوكاً وأسلوب حياة: «أبحث عن ثلاث قنابل كهرومغناطيسية/ أشحن بها نقاط الترقيم الثلاث/ زينة الشعر العربي الحديث/ أفتق بها وجه الشاعر وحاجب اللغة/ مثل طفل فتق بنطالاً ارتداه من فقره/ خمس سنوات متتالية/ ثم وقف أمام المرآة وشهق من الدهشة».
سرجون كرم في اصطياده لغزالة المعنى، يضاعف خشيته على الشعر فالحرف أيقونة وكيف له أن يتجسد، وإذا ما طرق الشاعر غير باب: ليأتي الجواب في التماهي الخلاق إذ القصيدة صاحبها فكيف لا يخشى عليها؟!.
قصائد في مهب الانتظار، والتجريب وتعدد وظائف اللغة الثرية، والأسئلة العارية إلا من المعنى، بفائض، شعوري، أو باختزال ذاكروي، لعلها مدوّنة أولها الشغف وأوسطها، الحنين، مدونة تستظهر الدفاع عن الحياة، بحثاً عن مفردة ضائعة بين الحب والحرب، أبعد من «مانفيستو» الضجر، كتابة مضادة، تشي به وتواربه بآن، نصوص محيرة، صادمة وماتعة، مباغتة، تماماً هي أفعال الشعر في الأزمنة الرجيمة، مزنرة بدهشتها، وسحرها الخفي لتتقرى نارها الكامنة.
العدد 1108 – 23- 8-2022

 

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة