سينما الشباب وكهولة السينما السورية

الملحق الثقافي – حسام حمدان:

أي عملية بحث بسيطة على الانترنت حول العالم، تظهر لنا كماً هائلاً من الأفلام التي أنجزت من قبل شباب متحمس وهاو، بأدوات بسيطة وتكلفة بسيطة وباستخدام تقنيات غير معقده، أصبحت متاحة للجميع في عصر الهواتف الذكية.
والسؤال: هل أدرك المعنيون لدينا هذه الثورة التي حصلت وتحصل في العالم؟ وهل واكب الشباب السوري هذه الطفرة؟
في البداية كان إنتاج السينما محصوراً بالقطاع الخاص، وبالجهات التي تمتلك الإمكانات المادية، وكانت هذه الجهات بحاجة لاسترداد رأس المال مع الأرباح، مما كان ينعكس سلباً على نوعية الأفلام المنتجة، التي اكتفت بتسلية وترفيه المشاهد دون هدف حقيقي للارتقاء بذوقه (أو على الأقل المحافظة عليه).
وكي لا تتحول عملية الربح في الإنتاج السينمائي إلى غاية على حساب المضمون، كان لابد من تدخل الدولة التي قامت برعاية الإنتاج السينمائي في ظل السياسات القائمة.
منذ أحداثها في العام 1963، كُلِفت المؤسسة العامة للسينما بمسؤولية الإشراف على صناعة السينما في القطر، وكانت مخولة بوضع خطط عملية الإنتاج السينمائي الوطني، وأخذت على عاتقها تأسيس القاعدة المادية والاقتصادية للإنتاج السينمائي، وتأمين الكادر السينمائي والفني المتخصص عن طريق التدريب والإيفاد إلى البلدان الأجنبية المتقدمة في هذا المجال عند الحاجة.
لم تكن المؤسسة في البداية قادرة على المغامرة بإعطاء فرص للشباب غير الأكاديميين للتجريب ولإنجاز أفلامهم، لكن ومع الانتشار الكبير لتقنية التصوير الرقمي، ومع الاستغناء عن الحاجة الى الشريط السينمائي تدريجياً في معظم دول العالم، حدثت طفرة عالمية حيث قلت التكاليف وانتشرت التجارب السينمائية بشكل كبير.
واكبت المؤسسة هذه الطفرة بإطلاق مشروع دعم سينما الشباب في العام 2012 ، حيث أحدثت وحدة تابعة لمديرية شؤون الإنتاج السينمائي مهمتها دعم المواهب الشابة، الذين لم تتح لهم فرصة التعلم الأكاديمي وليسوا مصنفين في نقابة الفنانين.
وشجعت صناع السينما الشباب والموهوبين على الانخراط في الدورات والورش التدريبية والأنشطة التطويرية المصاحبة؛ وقدمت فرصا إنتاجية أثمرت عن اكتشاف مجموعة من المواهب الشابة، أنجزت مجموعة من الأفلام حصلت على بعض الجوائز في مهرجانات إقليمية وعربية.
انطلق الموسم الأول لمشروع دعم سينما الشباب بعشرة أفلام، تبعها في العام التالي خمسة وعشرون فيلماً، ليبلغ ثلاثين فيلماً سنوياً تقريباً.
وبعد انقضاء سنوات على المشروع، بدا واضحاً أن النتائج المحققة لم تكن بمستوى الطموح، وأن تطور المشروع بطيء، ويحتاج بعض الأفعال التصحيحية.. كانت المشكلة التي أثرت على معظم الأفلام، عدم تمكن المخرجين الشباب من أدواتهم، لذلك انتقلت المؤسسة لمرحلة التدريب والتأهيل الأكاديمي العلمي، وانطلق مشروع دبلوم علوم وفنون السينما بمشاركة المركز العربي للتدريب الإذاعي والتلفزيوني التابع لجامعة الدول العربية.
حيث حاول المخططون للدبلوم جمع كامل الاختصاصات التي يحتاجها السينمائي لكي يباشر عمله، وتم التدريب عليها لمدة عام دراسي كامل.
مهرجان سينما الشباب
«مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة» أصبح منذ دورته الأولى 2014 إلى دورته السابعة 2020 المكان الذي تتنافس فيه الأفلام التي تنتج ضمن مشروع دعم سينما الشباب، وفيه توزع الجوائز على أصحاب التجارب المميزة، لمن تختاره لجان التحكيم التي تضم خيرة المخرجين والكتاب والنقاد والمخضرمين في العمل السينمائي، بعد تقييمها للعمل، ويتم التثقيل أحياناً وفق تفاعل الجمهور.
إن مهرجان دمشق لسينما الشباب يعتبر منصة جيدة للتعريف بالموهوبين الشباب ودعمهم والاستفادة من قدراتهم، وفرصة للاطلاع على المشكلات التي تعترضهم والتي يجب أن تجد الاهتمام من قبل القائمين على الأمر.
العديد من العقبات التي تواجه انطلاقة السينما الشبابية :
مع الأسف بعض هذه العقبات من الشباب أنفسهم، وبعضها من الظروف المحيطة بعملية الإنتاج ومنها:
ـ أغلب المخرجين الشباب ينظرون إلى الفيلم القصير على أنه محطة عبور أو جسر للفيلم الطويل ليس إلا، وبالتالي يقل اهتمامهم.
ـ تتم معالجة السيناريو دون فهم لطبيعة الفيلم القصير، وعدم معرفة لبنية هذا الفيلم، حتى أن البعض يظن أن زمن الفيلم هو الذي يحدد تصنيفه، ويخلط البعض الآخر بين الفيلم السينمائي ودراما المسلسلات التلفزيونية، أو بين الفيلم والفيديو كليب، وبين الفيلم وبعض النماذج الفنية المستحدثة كالفيديو ارت مثلاً.
ـ بعض الأفلام تعاني من التكرار ومن تقليد نماذج دون إبداع.
ـ الظرف الإنتاجي الصعب الذي يعمل به المخرج الشاب خلال منح المؤسسة، فالتصوير للفيلم يمنح يوماً واحداً للتصوير، وبمعدات قديمة تجاوزها الزمن.
ـ هنالك خلط بدأ يظهر في ممارسات المؤسسة بين الشريحة العمرية وبين صفة الشباب التي تطلق على السينما.. فالشباب موقف من الحياة وموقف من الفن ولا يختص بشريحه عمرية معينة.
ـ القصور في الجوانب التسويقية التي تشكل عاملاً حاسماً في الحد من المشاهدين فالأفلام تصور وتعرض في المهرجان ثم تغلف وتوضع في الأدراج والمكتبات، وتحرم من العرض الجماهيري أو العرض في المهرجانات الخارجية (إلا بعلاقات ونشاط المخرج).
وهناك العشرات من الأفلام القصيرة لم تعرض إلا مرة واحدة في مهرجان واحد!
لماذا لا تعرض على وسائل التواصل الاجتماعي مثلاً ؟! وما الضير من إتاحة مشاهدتها للجمهور الذي أنتجت من أجله !؟.
ـ غياب النوادي السينمائية وإن تواجدت فهي لا تهتم بأنشطة الشباب.
ـ شروط العرض في الصالات غالباً سيئة (التدفئة والتكييف مثلاً) وتعاني أجهزة العرض غالباً من مشاكل.
إيجابيات التجربة:
ـ استطاعت هذه التجربة أن تطرح سينما سورية جديدة بروح هواة شباب شغوفين بالفن السابع، ولمعت بعض الأسماء التي أظهرت مواهب خلاقة، واستطاع بعضها الوصول إلى منصات التتويج السينمائية في محافل ومهرجانات عربية مهمة.
ـ هناك تطور بطيء لكنه ملموس مع مرور الزمن في مهارات وخبرات الشباب في كل العمليات المتعلقة بالإنتاج السينمائي (كتابة السيناريو، الإخراج، المونتاج، الصوت، التمثيل الخ).
ـ لولا وجود هذه الفرص التي أتاحتها المؤسسة لأخفق الكثير من هواة السينما الحصول على تجربة، فليس للجميع القدرة على الدراسة أو تأمين المنح من الخارج.
ـ ظرف الحرب والتعطل الجزئي لعملية الإنتاج، جعل الاستفادة من الكوادر الفنية الماهرة والمدربة لتدريب أجيال جديدة، حلاً لمشكلة البطالة الجزئية وأمراً ضرورياً لاستمرار دوران عجلة العمل.
ـ معظم المخرجين الأكاديميين المهمين في السينما السورية، قد أصبحوا اليوم في «سن التقاعد»، ولابد من وجود بدلاء يعيدون الشباب لسينما بدأت تعاني من الكهولة.
أخيراً..
فن السينما شكل من أشكال التعبير الأرقى، فيه اجتمعت كل الفنون.
في العالم اليوم وفي سورية اتجاه كبير للسينما لدى شريحة واسعة من الشباب، بعد أن أصبحت السينما في متناول الجميع.
سينما الشباب هي سينما تعتمد التجريب في صياغة هويتها الفنية على مستوى الشكل والمضمون.
استمروا بتحرير سينما الشباب من العقليات التقليدية غير القابلة للتطوير، واستمروا بدعمها، فهي الأمل في تقديم حلول إبداعية خلاقة وجريئة يحتاجها الإنسان والوطن والفن.
 صحفي ومخرج سينمائي
العدد 1108 – 23- 8-2022

 

آخر الأخبار
طرطوس.. تأمين مستلزمات الإنتاج والنهوض بالواقع الزراعي القنيطرة.. تأهيل كوادر "الشؤون الاجتماعية والعمل " بتقنيات الحاسوب رفضاً للتدخل الخارجي.. وقفة احتجاجية في صليب التركمان  "زراعة اللاذقية".. تفقد المناحل ومحصول القمح محطة تحويل عربين في الخدمة حمص: تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في حسياء "المالية" نحو إعادة هيكلية مديرياتها في المحافظات   شراكات صناعية على طاولة مباحثات سورية تركية لتطوير آفاق التعاون تعاون سوري ألماني في مجال الاتصالات وتقانة المعلومات خلال أيام.. "شام كاش" بالخدمة عبر كوى البريد عودة الحياة لصحنايا وأشرفيتها.. وإطلاق سراح دفعة ثالثة من الموقوفين  بمشاركة سوريا.. انطلاق أعمال مؤتمر أسبوع المياه العربي السابع في الأردن طرطوس.. إخماد حريق بالقرب من خزانات الشركة السورية للنفط أردوغان: لن نسمح بجر سوريا لصراع جديد السلطة الرابعة تستعيد دورها و"الثورة" تعود بروح جديدة تسجيل الطلاب المنقطعين في الجامعة الافتراضية حتى ٨ الجاري لنكن عوناً في استمرار نعمة المياه إعلان ترامب حول خفض الرسوم الجمركية على الصين.. تكتيك أم واقعية؟ تكريم كوادر مستشفى الجولان الوطني The Media line: حماية الأقليات أم ذريعة عسكرية".. إسرائيل تُعيد صياغة خطابها في سوريا