دور العرض السينمائية وصراع البقاء

الملحق الثقافي – فؤاد مسعد: 

تتلاشى دور العرض السينمائية رويداً رويداً لتقف عاجزة عن تلبية طلب الجمهور، وما بقي منها قيد العمل سلسلة صالات الكندي (كندي دمر، كندي دمشق، كندي طرطوس، كندي اللاذقية) إضافة إلى العروض التي تتم في دار الأسد للثقافة والفنون وفي قاعات المراكز الثقافي والقليل جداً من دور العرض الخاصة، وعروض الهواء الطلق ضمن تظاهرات تقام خصيصاً لها، هذا الواقع اليوم الذي لا يشبه الأمس بحاجة إلى تغيير خاصة أن سورية من أوائل الدول العربية التي دخلتها السينما.
تساؤلات ومُحفزات:

هذا الواقع يطرح جملة من التساؤلات المؤلمة، فما وضع صالات العرض السينمائية الخاصة اليوم ؟ ما سبب إقفال غالبيتها وخروجها عن الخدمة حتى بات العديد منها أشبه بخرائب مهجورة بفعل التراكم والزمن ؟ وماذا عن دور العرض التي تم تخريبها وهدم العديد منها بفعل الحرب التي شنت على سورية ؟ هل سيتم ترميمها في وقت قريب أم إنها ليست من الأولويات فترميمها يكلف أموالاً طائلة ؟ ولماذا لم يقم أصحاب دور العرض القائمة والمُقفلة بتحديث صالاتهم وتجديدها ؟ وهل ستبقى قابعة ضمن إطار (مع وقف التنفيذ) أم إنها مرحلة وسيكون هناك حل مناسب لها ؟.. كثيرة هي التساؤلات المتعلقة بمستقبل الصالات السينمائية، فعلى الرغم من التوجه العالمي بعرض الأفلام الحديثة على المنصات المختلفة إضافة إلى توفر ظروف وآليات العرض المنزلي، إلا أن طقس العرض السينمائي لا يزال موجوداً وحاضراً وله مكانته وأجواؤه الخاصة في أرجاء العالم كافة واستطاع بمكان ما المقارعة لأن طقسه الكامل لن توفره أية تقنية أخرى إلا صالة العرض المجهزة بشكل كامل لاستقبال الجمهور لحضور أهم الأفلام العالمية.

يأتي طرح تلك التساؤلات مع الإدراك التام للمحاولات الجادة والسعي الحثيث منذ بداية القرن (21) إلى تحريك الراكد، فقد صدرت قرارات حملت توجهاً جدّياً نحو النهوض بالحراك السينمائي، وخاصة فيما يعتلق بالصالات وجذب الأفلام العالمية والعربية إليها، حيث صدر نهاية عام 2000 مرسوم رقم (549) الذي أنهى العمل بالمرسوم رقم (2543) القاضي بحصر استيراد الأفلام السينمائية المعدة للعرض التجاري بالمؤسسة العامة للسينما، وتبعه صدور قانون عن مجلس الشعب تضمن عدداً من الإعفاءات المالية للصالات ضمن شروط معينة، وفي عام 2011 صدر المرسوم التشريعي رقم (118) المتضمن إعفاءات من ضريبة الدخل ورسوم الإدارة المحلية ومن الرسوم الجمركية للتجهيزات المستوردة تستفيد منه الصالات السينما القائمة والتي ستعمل على تحديث خدماتها أو التي ستنشأ بعد صدور المرسوم بما فيها الصالات الملحقة والمستثمرة ضمن المنشآت السياحية. وشكّل ذلك كله نواة لخلق شروط عرض سينمائي صحية يمكن لها جذب الجمهور من جديد لتعود السينما إلى موقعها الطبيعي على الساحة.
حالات نادرة:
ما حدث على أرض الواقع أن هذه المحفزات والتسهيلات لم يتم استثمارها كما يجب، وبقي الحال على ما هو عليه دون السعي للسير قدماً نحو الأمام ما عدا حالات قليلة جداً ونادرة، وغالباً ما كان يتم فيها العمل على التحديث المحدود للصالة، وبالتالي لم يكن هناك تغيير جوهري على أرض الواقع، لا بل ازداد الأمر سوءاً مع مرور الوقت وتقلص عدد الصالات، ولم يستورد القطاع الخاص الأفلام السينمائية بالشكل المأمول منه وبالنوعية المتوخاة، وذهبت الأحلام أدراج الرياح، رغم أن النية كانت موجودة في مرحلة سابقة فعلاً لدى بعضهم إما لإنجاز مشاريع يتم عبرها إنشاء مجمعات سينمائية راقية بتقنيات حديثة وتُعرض فيها أفلام متميزة، وإما لإجراء تغيرات جذرية عبر تقسيم الصالات الكبيرة إلى عدة صالات صغيرة ويتم إضافة مشروع رديف لها كالمطاعم والمقاهي والملاهي فيُستثمر المكان بإطار يستقطب مختلف الشرائح.
ولكن بقي ذلك كله ضمن إطار الأمنيات، ومع بداية الحرب على سورية بدأت هذه الأمنيات بالتلاشي إلى درجة أن أصحاب دور عرض أعربوا صراحة عن رغبتهم في تغيير عملهم وإغلاق دور عرضهم لعجزهم عن تغطية مصاريف صالاتهم، كما أن المولات والمجمعات الكبيرة التي تحوي مطاعم وألعاباً وكان المأمول منها أن تسهم في ترسيخ دعائم وحضور صالات العرض السينمائية ضمنها غاب هذا الحضور عنها، وإن حضر فبصورة ترفيهية تجارية بحتة بعيدة كل البعد عن مبدأ عرض فيلم سينمائي متكامل.
يبرر بعضهم هذا الأمر بالارتفاع الكبير للتكاليف وانعدام الجدوى الاقتصادية، لارتباط المسألة بسلسلة متكاملة من العناصر تتمثل باستيراد الأفلام وإنتاج الأفلام المحلية الجاذبة وإنشاء الصالات ووضع سعر تذكرة يتناسب مع الأطراف جميعها (صاحب الصالة والجمهور)، هذه المعادلة المتشابكة بشكل عضوي ما بين (الفيلم والصالة وسعر التذكرة) لا بد من دراستها للخروج بمُذللات للمصاعب، وخاصة أن السوق السوري في الحقل السينمائي سوق خام لديه قدرة على استيعاب العديد من الاستثمارات التي يمكنها العمل ضمنه عند توفرها، ولكن ذلك لن يأتي من فراغ وخاصة في ظل الحصار المفروض على سورية، فجذب الأفلام العالمية المهمة يتأثر بالمقاطعة والعقوبات الجائرة، والأمر نفسه بالنسبة للتجهيزات المتطورة، وحتى في حال تأمين كل من الفيلم العالمي ودار العرض المجهزة بشكل جيد فإن التكاليف الباهظة لتحقيق ذلك، ستنعكس بشكل أو بآخر على سعر التذكرة وقدرة المواطن على شرائها، وبما أن الرأسمال جبان فسيؤجل أي استثمار وتحديث حتى يضمن أن هناك أرباحاً مهمة في انتظاره.
رؤى وهواجس:
ينبغي النظر إلى المسألة من منظار وطني وأن تتكاتف الجهود من مختلف الجهات كل وفق اختصاصه للنهوض بالمشروع السينمائي بشكل متكامل، وضمن هذا الإطار لابد من العمل على حل آني وآخر مستقبلي يعتمد على عدة معطيات بما فيها الحصار المفروض على سورية. ويتمثل الحل الآني بالاستعانة بالمراكز الثقافية لعرض الأفلام بحيث تتحوّل إلى بديل مؤقت حقيقي فتشكل رديفاً إضافياً لصالات الكندي، الأمر الذي يندرج ضمن إطار المناورة في ظل غياب البديل المناسب، ولكنه لا يلبي الحاجة التواقة إلى طقس عرض سينمائي بكل ما فيه من سحر وألق وشروط ينبغي توفرها من صالة مكيّفة بدرجة حرارة معينة وتجهيزات الصوت والصورة والمقاعد والأثاث والديكور والشاشة وجودة النسخة المعروضة إضافة إلى الفيلم الجيد والحديث.
ولا بد من العمل على إعادة بناء الثقة بين الصالة السينمائية والجمهور وطرح المحفزات لذلك فلا يمكن إقامة عروض سينمائية دون بيئة حاضنة (جمهور)، ما يحتم ضرورة إنشاء صالات تتمتع بشرط عرض صحية وتقدم الأفلام التي ترتقي بذائقة المتلقي، وضمن هذا الإطار تبرز تساؤلات لعلها تشكل في أحد أوجهها مفتاحاً لحل: هل السينما في سورية اليوم بحاجة إلى قرار جريء يشجع على الإقدام خطوة نحو الأمام ؟ هل هناك فكرة لإقرار ما يسمى القرض السينمائي يكون له محفزاته وشروطه ؟ ولماذا لا يتم العمل على فكرة الاستثمار في الضواحي فعوضاً من تموضع الصالات في مراكز المدن يمكن إنشاء صالات صغيرة مجهزة بالتجهيزات اللازمة في الأماكن والضواحي الأكثر كثافة سكانية؟.

العدد 1108 – 23- 8-2022

 

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة