الملحق الثقافي – نضال قوشحة:
بدأت رحلة السينما السورية بمغامرة من مجموعة من الأشخاص الذين تعرفوا عليها و شغفوا بها ، وكانت المغامرة الأولى لهم من خلال بعض الأفلام التي صورها بعض الهواة لعديد من النشاطات السورية المختلفة . فصور البعض أسواقاً و عروضاً عسكرية أو مداولات المجلس النيابي . و أول عمل سينمائي شبه منظم كان عام 1928 من خلال شركة حرمون فيلم عندما أنتجت فيلم المتهم البريء الذي أخرجه أيوب بدري ، و كان الفيلم غير مصوت كما كلّ أفلام السينما في العالم حينها ، وسرعان ما كانت التجربة الثانية الأنضج بعد عدة أعوام من خلال فيلم ( تحت سماء دمشق ) الذي قدّمته نفس الشركة و أخرجه نجدة أسماعيل آنزور . ثم تتالت التجارب التي بقيت فردية و أهلية وتشوبها روح المغامرة والفردية . ومع وجود المؤسسة العامة للسينما عام 1963 والتي بدأت بتقديم أفلامها الروائية الطويلة عام 1968 بفيلم المتهم البريء . لم تستطع أن توفر عملاً منظماً مستمراً ووافر الإنتاج لاحتضان الطاقات السينمائية الشابة التي كانت تتقدم بأفكار سينمائية عديدة ، وخلال ما يقارب الخمسين عاماً،وقد ظلّ الشباب السينمائي السوري منتظراً لفرصة أن يكون لديه حاضن سينمائي يقدّم له فرصاً إنتاجية تحقق مطامحه السينمائية .
مشروع دعم سينما الشباب . يولد أخيراً من خلال المؤسسة العامة للسينما ، بعد أن صار عمرها خمسين عاماً تقريباً ، وحقق بوجوده حراكاً سينمائياً هاماً في السينما السورية ، و أهم ما فيه أنه أعطى للشباب كيانهم و صوتهم السينمائي المتفرد ، وصارت الشخصية السينمائية الشابة واضحة المعالم في المشهد السينمائي السوري . ينطلق المشروع بتقديم عشرة أفلام لهواة السينما من الشباب ، ثم يتطور العدد ليصل الثلاثين ويستقر عليها . ومما أوجده المشروع من فائدة كبرى أنه كان السبب المفعل لإيجاد مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة . فبعد أن صار للشباب السينمائي أفلامهم الخاصة بهم كان لا بدّ من مساحة للتنافس فيها ، فكان مهرجان الشباب الذي نظمته المؤسسة العامة للسينما بسبع دورات متتالية . بدأ المهرجان بمنافسة بين الأفلام السورية وحدها ، ثم تطور الأمر وكان لا بدّ من وجود المنافسة العربية مع السورية ، وبعد زمن تطور المهرجان ليحتوي على مسابقتين ، واحدة لأفلام الهواة وثانية لأفلام احترافية قصيرة ، كانت تتنافس فيها أفلام سورية وعربية . ومن أهم نتائج وجود مشروع دعم سينما الشباب ، إيجاده فعالية علمية سينمائية . فبعد فترة من العمل من الشباب السينمائي الموهوب في سورية ، اتضح أن ثمة فجوة معرفية لا تتوفر لدى معظمه في علم وفن السينما . فأوجدت المؤسسة العامة مجددا عام 2015 . دبلوم العلوم السينمائية وفنونها . الذي كان النواة التنفيذية لمشروع سينمائي نهضوي كبير طال إنتظاره وهو إنشاء المعهد العالي للسينما بدمشق . فمن خلال دبلوم العلوم السينمائية وفنونها ، يتحصل عشاق السينما الشباب في سورية على الكثير من المعارف والعلوم السينمائية على أيدي شخصيات سينمائية هامة . فيتلقون محاضرات في السيناريو و الإخراج و الإضاءة و الصوت والمؤثرات الصوتية والموسيقية و المونتاج و النقد السينمائي وعلم الجمال و إنتاجيات الفيلم وغيرها .. كما يقومون بتصوير أفلام طلابية تحت إشراف مختصين . وفي النهاية يقدم كلّ خريج منهم فيلماً سينمائياً خاصاً به ، ومن خلال هذا الدبلوم ، توضحت درجة الاختلاف الذي سببه في ذهنية الشباب السينمائي السوري ، فمن يشاهد أفلام المهرجان الخاص بهم سيلحظ أن ثمة تمايزاً ملحوظاً بين أفلام خريجي الدبلوم و الأفلام المستقلة الموازية .
ما حققه بعض الشباب في أفلامهم وما قدّموه من طروحات فنية جيدة ، يؤكد أن الحاجة كانت ماسة لوجود هذا المشروع السينمائي في سورية ، لا شك أن عدد الذين أثبتوا مكانة جديرة بالمتابعة و إعطائها مزيداً من فرص الإنتاج ليس كبيراً ، فعلى امتداد مواسم ودورات متتالية ، استفاد منها ما يقارب المائتي شاب وشابة ، فإن عدد المتميزين لا يتجاوز القلة . ولكن هذه النسبة طبيعية ، وهي كذلك في كلّ دول العالم التي تعطي فرصاً إنتاجية للمواهب السينمائية ، فنسبة التميز في العمل الإبداعي نادرة وشحيحة . وبعض هذه الأفلام التي حققها الشباب ، نالت العديد من الجوائز في مهرجانات عربية وعالمية كما في فيلم ( يوم عادي جداً ).
لا شك أن في مشروع دعم سينما الشباب وكلّ التشكيلات التي نشأت عنه بعض النواقص ، ولا بدّ من وجود تطويرات تعمل عليها المؤسسة العامة للسينما حسب استطاعتها لكي يتقدم إلى الأمام ، لكنه خلال السنوات العشر السابقة ، كان الحدث الأهم في مشهد السينما السورية ، فهو قدّم لها مئات الأفلام الشابة ، التي اتضحت من خلالها رؤاهم الفنية وطرق تفكيرهم بهذا الفن ومدى مواكبتهم للسينما العربية والعالمية وكذلك التفاعل مع العنصر التقني في سينما العالم ومعرفة طرق التصوير والمونتاج الحديثة التي قلبت الموازين ، الأمر الذي ذهب بالسينما إلى أماكن جديدة بالغة الجدة والتميز . والشباب السينمائي في سورية أثبت من خلال هذا المشروع أنه مواكب جيد للسينما وفنونها وهو يبشر بأن ثمة أملاً حقيقياً في تقديم جيل سينمائي واعد بمزيد من التألق .
العدد 1108 – 23- 8-2022