أصبح من المتعارف عليه أن شهر أيلول هو شهر الميم اختصاراً لمفردات (مازوت ـ مدارس ـ مونة الشتاء ) ولكن هذا الشهر هو أيضاً أو يُفترض أن يكون شهر المونة الحكومية، حيث يجب أن تتحضر الحكومة لتأمين احتياجات الموسم الشتوي من مازوت وبذار ومحروقات وسماد لتمكين الناس من زراعة القمح بأوسع ما يُمكن.
الظروف الجوية لم تعد طارئة، كي نُفاجأ كل سنة باحتباس الأمطار وانخفاض الكميات الهاطلة، ويُفترض أنه أصبح لدينا خطة زراعية مُحكمة لزراعة المحاصيل من قمح وقطن وذرة وصويا وخضار اعتماداً على مشاريع الري القائمة والمساحات المروية، كما يجب أن تكون محددة بدقة أنماط الزراعات التكثيفية ومحاصيلها، بحيث نضمن أكبر مردود من المساحات المروية، وتبقى الزراعات البعلية مجالاً للتكهنات والتبريرات، وحينها لن يكون هناك فارق كبير بين المخطط والمُنتج.
الخطط الواضحة بكل مُعطياتها تساعد الجهات المعنية في تحديد احتياجات تنفيذ الخطة من بذار وسماد ومحروقات، وتساعد في التدخل بسد الثغرات والظروف الطارئة، وحينها يُمكن أن نضمن أعلى مردود.
الخطط يجب أن تكون وفقاً لاحتياجات البلد، وليس ليس لاعتبارات أخرى كما حصل لعدة سنوات مع محصول الشوندر الذي تم تحويله إلى علف لعدة سنوات، وحتى مع تشغيل معمل سكر سلحب كانت النتائج كارثية بتلويث المنطقة وارتفاع تكلفة تصنيع السكر إلى عدة أضعاف عن المستورد، ولذلك يجب تحديد المساحات والمحاصيل وفقاً للحاجة، كم نحتاج من القمح والقطن والذرة وفول الصويا وبعدها يمكن تحديد اعتبارات أخرى.
مؤخراً نجحت وزارة الزراعة في اعتماد أسلوب جديد في تسعير المنتجات الزراعية من خلال الإعلان عن أسعار استلام المنتجات قبل بدء الموسم الزراعي، ولو أن الأسعار لم تكن مشجعة، إلا أنها ساهمت في زيادة المساحات المزروعة والكميات المُنتجة، وتراكمياً سيسهم الأمر في إحداث متغيرات إيجابية في القطاع الزراعي.
اليوم مع إعلان المصرف الزراعي عن الأسعار الجديدة للسماد، فلن يكون الأمر مشجعاً للمزارعين المُنهكين من شهر المونة مع اقتراب الموسم الزراعي لزراعة كل شبر ما لم تكن هناك أسعار مناسبة لاستلام المنتجات، فمضاعفة سعر المازوت بعدة أضعاف والسماد كذلك لن يشجع على الزراعة ما لم يتم رفع أسعار استلام المحاصيل بنسب معادلة لرفع أسعار مستلزمات الإنتاج.
أكيد ليست ظروف الدولة أفضل بكثير من ظروف المواطن في تأمين مونته، ولكن على ما يبدو أن المواطن صمد كل هذه السنوات بفضل إدارته الصحيحة والسليمة، وهذا ما تفتقده إداراتنا الحكومية في تعاطيها مع الأمور، ويحصده المواطن من تردٍّ في الأوضاع المعيشية.