العالم ليس بحاجة لتأكيد الاتحاد الأوروبي إرسال أسلحة متطورة إلى كييف، وانخراط دوله بعمليات تدريب جيش النظام الأوكراني، كما جاء على لسان مفوض السياسة الخارجية بالاتحاد جوزيب بوريل، فالوقائع على الأرض تؤكد أن الولايات المتحدة وأتباعها الأوروبيين يخوضون حرباً بالوكالة ضد روسيا، ولكن عندما تغدق أنظمة التبعية الأوروبية النظام الأوكراني بترسانة ضخمة من الأسلحة الفتاكة، وعندما تمعن في تدريب جيشه النازي ومرتزقته المأجورين على كيفية استخدام تلك الأسلحة في الميدان، فهي بذلك تلعب بنار استقرارها، وبقائها حيز الوجود المكاني، والزماني، والسياسي، على حد سواء.
ويبقى الأهم هنا والذي يمكن أن يكون قد غاب عن مخيلة دول الناتو الاستعمارية، أو تم تغييبه أمريكياً، بأن هذه النيران ستحرق أمن الأوروبيين أولاً وأخيراً، وبأنهم وحدهم من سيدفعون ثمن سياساتهم الخاطئة، وسلوكياتهم الرعناء، وبأنهم سيخرجون مهزومين من هذه الحرب، فهم وإن تجمعت قوى الشر لديهم في بوتقة واحدة تحت إمرة المخرب الأمريكي، إلا أنه لن يكون لهم تأثير كبير، أمام الإرادة الروسية المتلحفة بقوانين الشرعية الدولية أولاً، والمجسدة لكل المبادئ والنوايا السلمية والإنسانية على أرض الواقع ثانياً.
اللافت هنا هو مستوى الوقاحة والتبجح الأخلاقي الذي وصلت له الأنظمة الأوروبية، والذي لمسناه في تصريحات بوريل، بأن الدول الأوروبية تقدم أسلحة متطورة لأوكرانيا، وتدرب جيشها على استخدامها، وبأن الجنود الأوكرانيين يتم تدريبهم بالفعل في بولندا، وبريطانيا، وفرنسا، ما يثبت مجدداً بأن الدول الأوروبية قد استمرأت التبعية والارتهان للولايات المتحدة، من دون الاكتراث لمصلحة شعوبها، فلطالما حذرت روسيا الغرب من مغبة الاستمرار بتزويد كييف بالأسلحة، لأن من شأن ذلك أن تتحرك الأهداف الجغرافية للعملية الخاصة في أوكرانيا إلى ما هو أبعد من أهدافها الحالية، حسب تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في وقت سابق.
من يلعب بالنار لا بد من أن يكتوي بلهيبها.. وأوروبا لا شك أنها ستدفع ثمن تبعيتها العمياء للولايات المتحدة، إن لم يكن عاجلاً فآجلاً، والمؤكد لنا أننا اليوم قاب قوسين أو أدنى من بدء تفتت وتلاشي أنظمة الاستعمار الغربية المتأمركة، فلم يعد هناك مكان بعد الآن لقطبية واحدة، وإنما بتنا في عالم متعدد الأقطاب.