يُعاد إنتاج العالم باستمرار عبر فعل القراءة بالنسبة للكاتب الأرجنتيني “ألبرتو مانغويل”.. الذي يبدو عالمه مؤلفاً من مفاهيم: الكتب، الكلمات، القراءة، المكتبة، القارئ.
الكثير من كتاباته جمعت عناوينها هذه المفردات، كما أحدث كتبه (المسافر والبرج العاجي ودودة الكتب والقارئ بوصفه استعارة).
لن نتوه عن صنع خارطة ربط بينها جميعها، لأنها تنتمي إلى فضاء معرفي يسعى مانويل إلى تكريسه.
فالقارئ هو المركز.. فيما المكتبة هي المكان، في حين تغدو الكلمات بنية أساسية للكون كله تقريباً لديه، هي شيء حيّ يمكن لأي منا أن يسكنه ويحيا فيه.
مع أفكاره تنمو لتصبح مدينة، يقول: (ينبغي أن نستمع إلى الكلمات التي يبثّها الحالمون والشعراء والروائيون وصنّاع الأفلام عبر الزمان والمكان، ربما كانت القصص التي ترويها تحمل مفاتيح سرية للقلب البشري).. وكأن كلمات هؤلاء تؤمّن سفراً من نوع خاص.. هي تعويذات تسحر عالمنا وتقلبه إلى إمكانية أفضل.. مفاتيح سرية تفتح لنا بوابات من حلم لا ينضب.. الكلمات لديها قدرة على اختراق اللحظة (الحالية) وتحميلها أمداء لانهائية من جماليات عالمٍ موازن تساعدنا على خلقه.. لأنها لدى “مانغويل” رمز للتأمل وأداة للتفكير.. عالم قائم بذاته، حي وفاعل.. مفتاح لفهم الإنسان/القارئ وعالمه المحيط، وسيلة لاستكشاف ذاته.. وإعادة بناء عالمه الداخلي.
وغالباً هي تتماهى مع كل هذه الإمكانيات بالنسبة لمن يدرك قيمة فعل (القراءة).
فالقارئ، لدى “مانغويل”، ليس قارئ النص وحسب، بل هو من يستطيع دخول حوارٍ مع الماضي والحاضر والمستقبل.. أي من يستطيع خلق شبكة من الاتصالات التي تنتج صيغ “فهم” لـ(ما كان وما يكون وما سيكون)، لا يمكن لنا إدراكها دون حضور مجموعته السحرية: (الكلمات، المكتبة، القراءة، الكتب، والقارئ).