الثورة – ترجمة رشا غانم:
يشهد الأمن العالمي توترات كثيرة نتيجة للأزمات التي تشهدها بقاع عدة من العالم، منها الأزمة في تايوان، الاعتداءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، واستئناف القتال في منطقة تيغراي الأثيوبية، إلى جانب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية المتراكمة في أوروبا.
إنّ الاتجاهات العالمية والإقليمية مترابطة. حيث إنّ زعزعة الاستقرار على النطاق الهائل الذي نشهده في أوروبا – أحد أهم نقاط الارتكاز السياسية والاقتصادية في العالم – سيكون له تأثير الدومينو على جميع المناطق الأخرى.
ومن الأمثلة على ذلك، المنافسة الشديدة بين القوى العالمية في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، فقد أصبحت المنطقة بؤرة الاهتمام الجيو-استراتيجي المتزايد والتواجد العسكري. وما إن اختتمت الصين تدريباتها العسكرية التي استمرت سبعة أيام حول تايوان في 10 آب، حتى بدأت أستراليا وحلفاء الناتو الآخرين مناورات عسكرية جوية، انضمت إليها ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية للمرة الأولى.
وسارعت بكين في متابعة وعدها بجعل المناورات حول تايوان ممارسة روتينية، حيث أطلق جيش التحرير الشعبي جولة جديدة من التدريبات قبل زيارة السناتور الجمهوري الأمريكي- مارشا بلاكبيرن- إلى تايبيه في 26 آب الفائت.
وفي 29 من الشهر نفسه، أُفيد بأن الرئيس الأمريكي جو بايدن كان يخطط لمطالبة الكونغرس بالموافقة على بيع أسلحة بقيمة 1.1 مليار دولار أمريكي لتايوان، والتي تتضمن صواريخ مضادة للسفن وصواريخ أنظمة جو-جو، ومن شأنها أن تكون مفيدة في ضوء استراتيجية بكين باستخدام السفن الحربية والصواريخ لمحاصرة الجزيرة.
ووسط إعادة تقويم للقوة العالمية، تشهد منطقة المحيطين الهندي والهادئ صراعاً دولياً على النفوذ أكثر من أي وقت مضى.
تستضيف روسيا-أيضاً- مناوراتها الحربية واسعة النطاق، “فوستوك 2022” (شرق 2022)، في الفترة من 1 إلى 7 أيلول – والصين من بين المشاركين.
وستقوم موسكو وبكين أيضاً بتسيير دوريات مشتركة في بحر اليابان، وهي الأولى منذ 22 حزيران، عندما دخلت القوات البحرية للبلدين المنطقة بعد إدانة طوكيو للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتزايد الوجود العسكري الصيني حول تايوان.
قيل إن تدريبات فوستوك الأخيرة، التي أقيمت في عام 2018، هي الأكبر في روسيا منذ تدريبات “زاباد 81” التي أجراها الاتحاد السوفييتي عام 1981.
ومع ذلك، فإن ما يجب أن يجذب انتباه المراقبين حول تدريبات هذا العام هو أنه، على عكس عام 2018. بأنّ الهند – عضو في منظمة شنغهاي للتعاون- هي أحد المشاركين.
تشير مشاركة الهند إلى الجهود المستمرة التي تبذلها روسيا والصين لجذب المزيد من المؤيدين وسط تنفير متزايد من الغرب. كلاهما يتطلع أيضاً إلى تعويض التقدم الذي أحرزته الولايات المتحدة لتعزيز تحالفاتها العالمية.
وكما رأينا من قبل، مع تكثيف الولايات المتحدة لتواصلها الدبلوماسي الخارجي ونشاطها العسكري، تشعر بكين وموسكو بضرورة اتخاذ تدابير مضادة تضمن نفوذهما القوي في آسيا والمحيط الهندي والمحيط الهادئ.
أصبحت المنطقة ساحة معركة رئيسية للقوى الكبرى، وقد تضع معايير جديدة للنظام العالمي الذي أصبح مختلاً بشكل متزايد منذ بداية الأزمة الروسية الأوكرانية.
الهند هي بلا شك حجر الزاوية في هيكل الأمن الهندي والمحيط الهادئ، بسبب سياستها الخارجية طويلة الأمد المتمثلة في عدم الانحياز، حيث تمكنت نيودلهي من الحفاظ على سمعتها كلاعب مستقل في المنطقة، على الرغم من الضغط المتكرر للاقتراب من التحالفات التي تقودها الولايات المتحدة أو البريكس – (البرازيل ، روسيا، الهند ، الصين وجنوب إفريقيا) والتجمعات التي تنسقها منظمة شنغهاي للتعاون.
وفي الآونة الأخيرة، كانت الهند تسير على خط رفيع بين موسكو وواشنطن بشأن الأزمة في أوكرانيا، رافضة الانضمام إلى العقوبات المناهضة لروسيا بينما كثفت مشترياتها من النفط الروسي المخفض.
ومع ذلك، قد ينتهي عمل الموازنة هذا قريباً، حيث تشير التقارير إلى أن الهند قد تقدم دعمها لسقف أسعار النفط الروسي الذي اقترحته الولايات المتحدة، على الرغم من عدم اتخاذ قرار نهائي بعد.
هذا وانقلب تطبيع العلاقات بين الصين والهند رأساً على عقب بسبب الاشتباك القاتل على حدود وادي جالوان في عام 2020.
وعلى الرغم من أن الصراع لم يؤثر بشكل كبير على التجارة الثنائية، إلا أن الجولات الخمس عشرة من المحادثات التي عقدها الجيشان ذهبت إلى حد ما لمنع المزيد من التصعيد، والمنافسة الاستراتيجية وظلت الشكوك المتبادلة حادة.
تعقدت العلاقات مرة أخرى مؤخراً بسبب الخلاف حول رسو سفينة أبحاث صينية، تزعم نيودلهي أنها “سفينة تجسس” ، في ميناء هامبانتوتا في سريلانكا.
ومع ذلك، فإن مشاركة الهند في المناورات العسكرية التي تنظمها روسيا، وخاصة مع الصين، تساعد على تهدئة التكهنات بأن نيودلهي تقترب من الولايات المتحدة.
وقد تعزز هذا الاعتقاد مؤخراً من خلال الإعلان عن مناورات “يوده أبهاس” المشتركة بين الجيشين الأمريكي والهندي المقرر إجراؤها في تشرين الأول بالقرب من حدود الهند المتنازع عليها مع الصين.
لا ترحب روسيا والصين بأي تحركات أمريكية لتعميق نفوذها في المنطقة، حيث حذَّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن واشنطن وحلفاءها يسعون إلى توسيع نظام شبيه بحلف الناتو ليشمل منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مردداً أقاويل وزير الخارجية الصيني وانغ يي بأن الولايات المتحدة تبني “الناتو الهندي والمحيط الهادئ”.
وأضاف وانغ أن “بعض القوى” (أي واشنطن) سعت إلى “تأجيج التوترات” بين الصين والهند و “زرع الخلاف” بين الصين وروسيا.
فإذا أرادت كل من بكين وموسكو إبعاد الناتو عن آسيا، فإنّ مغازلة الهند أمر بالغ الأهمية، حيث تم التأكيد عليه خلال اجتماع بين وزيري الخارجية الروسي والصيني، وأنّ هدفهما الآن سيكون تعزيز التعاون داخل إطار عمل البريكس وروسيا والهند والصين.
المصدر: جريدة جنوب الصين الصباحية