الثقافة التائهة والمجتمع الحائر

الملحق الثقافي:

إنه عصر الثقافة , لا عصر المال والاقتصاد , وما يجري على الساحة العالمية من صراعات وحروب , انما هو صراع ثقافي بلبوس مختلف , هكذا لخص الامر احد المفكرين الغربيين متسائلا : كيف للعالم ان يتحدث عن صراع او صدام حضارات , والحقيقة ان ما يجري هو صراع ثقافي كما اسلفنا , ولم يكن يريد هنتنغتون شيئا اسمه صراع الحضارات , كما ترجم الى اللغة العربية , انما هو صراع ثقافي , لايمكن لحدوده ان تقف عند مكان ما , بل تعود الى الماضي لتشمل الحاضر وتعمل من اجل كسب المستقبل , وكل جهة تزج بما لديها في هذه الساح لعلها تحقق ما تريد ان تصل وتفرض ثقافتها وقيمها ,وبالتالي يعني هو احتلال للعقل والقيم والمباديء , وهوبالمحصلة ما نراه الان على ارض الواقع , واذا كانت الدروب الى فرض ثقافات وقيم جديدة تتخذ اشكالا اخرى تلوذ في النهاية بالحروب ومن ثم العمل على تنفيذ الامر على الواقع بالوسائل التي تتخذ من اللغة والتاريخ وما في القائمة وسائل وادوات, اذا كان ذلك قد حصل ومضى ولم يؤت بثمار جيدة , فانما الان نحن امام ما سميناه في مرحلة ما الغزو الثقافي , لتتبدل التسميات فيما بعد مع تطور الوسائل والادوات الى ان يصل الى مفهوم ومصطلح (الحرب الناعمة).
الحرب الناعمة هذه تجلت حقيقة واقعة لا مفر منها, ووسائل خوضها أكثر فتكاً ودماراً من أي سلاح آخر لانها تستهدف العقول والبنية الفكرية والاجتماعية والقيم , وبالتالي احلال قيم جديدة محلها ,ومن ثم السيطرة التي اطلق عليها البعض السيطرة الصامتة , وهي الاشد وطأة من أي سيطرة اخرى , وما الاقتصاد والعلاقات الخارجية الا ادواتها الاولى , وعلى الطرف الاخر <; نعني به حائط الصد , لابدّ من الحديث عن الثقافة وقدرتها على المواجهة , والقيام بعملية التحصين التي يجب ان تكون بمواجهة ما نراه , سواء اتفقنا على انه غزو ثقافي , او انه حرب بادوات ناعمة , من هنا تبدو الحقيقة المرة التي علينا ان نقف امامها ونطرح الاسئلة التي يجب ان تطرح شئنا ام ابينا , اين جدران الصد هذه , والى حد هي مرتفعة وصلبة وقوية في وطننا العربي ؟
هل بنيناها واعلينا البنيان , هل نوليها الاهتمام الذي يجب , ولماذا اغفلنا الترميم فيها واعلاء البنيان , وصرفنا النظر عنها الى كل ما هو زائف وزائل , ومن ثم ما النتيجة النهائية التي وصلنا اليها , ولماذ ا استطاع الاخرون تحطيم الجدران والتسلل الى عقر الدار , والعمل على احتلال البنية الفكرية والثقافية والتربوية وتغيير الاتجاهات والمفاهيم ؟ كيف حدث ذلك ولماذا ؟ واين دور الثقافة والمثقفين ؟
الثقافة تحدد مستقبل العالم ؟
اذا ما كانت الثقافة بهذه الاهمية , وهي الساحة الاشد اشتعالا الان في العالم , فما الذي نقصده بالثقافة , وماتعريفها , كيف نفهمها ؟ مما لاشك فيه ان مصطلح الثقافة لم يستقر بعد على تعريف محدد ابدا , بل يختلف المفهوم بين مفكر واخر , وباحث واخر , وربما نقف في البحث على مئات التعريفات له , وكل تعريف منها يحمل شيئا من الاخر , لكنه يذهب ابعد من الاول الى حدود جديدة , ويضيف معاني اخرى تتأتى من توسع الدلالات والاضافات التي يحاول الدارس الحاقها بهذا المفهوم الواسع والشامل , نحاول هنا في هذه العجالة ان نقف على بعض ما جاء الاجابة على السؤال السابق : ما الثقافة ؟
في كتابه : تأويل الثقافات, يقف كليفورد غيرتز عند عند المصطلح ويقدم مفهوما واسعا ومتعددا ومتشعبا , يرى غيرتز أن من اقدم التعريفات واشدها رسوخا وثباتا كان التعريف الذي قدمه ادوارد بورنيت تايلور في بداية كتابه : الثقافة البدائية اذ يقول(تلك الوحدة الكلية المعقدة التي تشمل المعرفة والايمان والفن والاخلاق والقانون والعادات , بالاضافة الى أي قدرات وعادات اخرى يكتسبها الانسان بوصفه عضوا في مجتمع ).
ومع تطور الدراسات الانثروبولوجية قدم علماء اخرون تعريفات جديدة للثقافة كما يقول كليفورد غيرتز , اذ قدم عالما الانثربولوجيا , كروبر وكلايد كلوكون في كتابهما : الثقافة مراجعة نقدية للمفهومات والتعريفات , قدما تعريفا يتراوح بين السلوك المثقف الى الافكار في العقل الى التركيب المنطقي الى الية الدفاع النفسية , وما الى ذلك , الا ان التعريف المفضل عندهما كما يشير غيرتز وعند الكثير من الدارسين في هذا الحقل هو : ان الثقافة عملية تجريدية وبعبارة اخرى اكثر تحديدا (تجريد مستخلص من السلوك ) .
ويشيران الى انها ليست ليست سلوكا , انما هي تجريد بالقول ويدللان على ذلك بالقول : لو كانت الثقافة بنفسها سلوكا لكانت بما هي كذلك موضوعا لعلم النفس , وبذلك استنتجا بان الثقافة : هي تجريد مأخوذ من السلوك الملموس ولكنها ليست سلوكا بذاتها.
والثقافة تعرضت للتطور كما يرى غيرتز ويدلل على ذلك بالاشارة الى نشأة الكتابة وتطورها , وكذلك تطور المجتمعات , وغير ذلك , وبناء على تعريف غيرتز للثقافة فان العوامل البيولوجية (الخاصة بالفرد ) والعوامل الثقافية الاتية من المجتمع والمحيط الثقافي تمارس دورها في تشكيل الشخصية الانسانية ,ولايمكن الفصل بين هذين العاملين في تطور الشخصية الانسانية ابدا .
وبناء على هذا التأثير,يذهب الى الحديث عن نظرية المركزية في الثقافة , وهي مصدر العنصرية الغربية ,التي جعلته يشعر بالتفوق حسب ادعائه ويتحدث عن نظرية المركز , وطبعا لاينكر غيرت زان سبب ذلك يعود الى الاستعمار الغربي الذي كان السبب في نشأة مصطلح ( التمحور الثقافي العرقي ) , حيث اخذ الرجل الابيض ينظر الى الاخر على انه ذو ثقافة وتراث مختلف عن تراثه , واصحابها متخلفون وهمجيون , وعلى الابيض ان يعمل على تطويرهم وفرض ثقافته التي يرى انها هي الاجدر والاصح والاكثر حضارة وقدرة على الاستمرارية.
ويخلص الى القول : ان الانتشار الثقافي بين متماثلين ليس غزوا ثقافيا ابدا , انما الغزو الثقافي لايكون بين متساويين , وبالتالي ,فان الاستعمار الغربي بما قام به ويقوم هو غزو ثقافي , عن سابق قصد وتصميم لانه يرى الاخر اقل شانا ثقافيا, لا بل يراه متخلفا , ومهمته ان يطوره ولو غزوا .
اذاكانت تلك رؤية غيرتز للثقافة في كتابه ( تأويل الثقافات) فاننا نجد من الاهمية بمكان نقف عند تعريفا و مفهوما اخر اكثر جدة وحداثة هو لعالم الانثروبولوجيا :آدم كوبر , في كتابه ( الثقافة التفسير الانثروبولوجي ) اذ يعنون مقدمة كتابه ب: حروب الثقافة , ويقتبس من ريموند وليامز قوله : لا اعلم عدد المرات التي تمنيت فيها لو انني لم اسمع اطلاقا بالكلمة الملعونة , يعني حروب الثقافة).
ويرى ان الاكاديمين الاميركيين يشنون حروبا ثقافية ( لكن عدد القتلى قليل ) اذ يحض السياسيون على حدوث ثورات ثقافية , يترجمها الباحث بالشرح بالقول : اننا نبيع الان الثقافة , وهم يعرفون ذلك ,وليس عليك ان تشرح ذلك لهم , اذ ليس هناك من طلب بيع الثقافة وحدها , فالثقافة تحكم الغصن عندما نتكلم اكثرعن تحفيز سلوكية الزبون .
وعلى هذا الاساس ,فان ادم كوبر يقرر بشكل قاطع : ان الكل منغمس في الثقافة الان , وقد كانت الثقافة بالنسبة للانثروبولوجيين يوما تعبيرا من عالم الفن, اما الان فان المواطنين الاصليين يتكلمون ثقافيا معهم .
وخلاصة ما يراه ادم ان مستقبل العالم برمته يعتمد على الثقافة , فقد اعلن صاموئيل هنتنيغتون سنة 1993م في مقالة تنبؤية في مجلة الشؤون الخارجية , ان طورا جديدا في التاريخ العالمي قد بدأ لن تكون فيه الاسباب الاصلية للنزاعات اقتصادية او ايديولوجية اولية , فالانقسامات الكبرى بين الجنس البشري , واسباب النزاع السائدة ستكون ثقافية , وقد توسع هنتيغتون بالفكرة في كتاب جديد له اذ اشار ( الاختلافات الرئيسة في التطورات السياسية والاقتصادية بين الحضارات متجذرة بوضوح في ثقافاتهم المختلفة).
والثقافة, والهوية الثقافية تقوم بتشكيل انماط الترابط او التفكك والنزاع في عالم ما بعد الحرب الباردة , والسياسات المحلية في هذا العالم الجديد هي سياسات العرقية والسياسة الدولية هي سياسة الحضارات , فصدام القوى العظمى سيحل محله صدام الحضارات.
العدد 1110 – 6- 9-2022

آخر الأخبار
130 فرصة عمل و470 تدريباً لذوي الإعاقة في ملتقى فرص العمل بدمشق مساعدات إغاثية تصل إلى 1317 عائلة متضررة في ريف اللاذقية" عطل طارئ يقطع الكهرباء عن درعا تمويل طارئ للدفاع المدني السوري لمواجهة حرائق الغابات بريف اللاذقية إغلاق مؤقت لمعبر كسب الحدودي بسبب الحرائق في ريف اللاذقية محافظ حلب يتابع انطلاق امتحانات الثانوية كبار في السن يتقدمون لامتحانات الثانوية العامة بدرعا 20482 متقدماً في اللاذقية لامتحانات الثانوية العامة والشرعيّة ارتفاع الكشفيات الطبية في درعا يدفع المرضى لحلول بديلة تسويق 29 ألف طن قمح في درعا في حضرة الغياب.. نضال سيجري العفوية المدهشة والفن الصادق إزالة أكشاك بمحيط حديقة الجاحظ في المالكي بدمشق 15 ألف طالب وطالبة في امتحانات الثانوية العامة بدرعا تحسين البنية التحتية الكهربائية في الفوقا ودير مار سركيس انطلاق ملتقى فرص العمل للأشخاص ذوي الإعاقة بدمشق بين الفهم والحفظ والتحليل..  طلاب الفرع الأدبي: أسئلة الفلسفة طويلة والوقت قصير  طلاب الثانوي العلمي في امتحانهم الأول.. أسئلة الفيزياء متوسطة الصعوبة  وزير الطوارئ يثمّن الدعم القطري لإخماد حرائق ريف اللاذقية في اليوم العاشر للحرائق... عمليات ميدانية مكثفة لعزل النيران وتبريد البؤر الساخنة   امتحانات الشهادة الثانوية في سوريا.. محطة مفصلية تحدد مصير آلاف الطلاب ومستقبلهم