الثورة- ترجمة رشا غانم:
يتزايد التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، بعد رد فعل بكين العسكري على زيارة رئيسة مجلس النّواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان، إذ حمل استعراض القوى غير المسبوق حول الجزيرة، تفسيرات عديدة.
حيث اعتبر الكثيرون بأنّ هذه الإجراءات تؤكد تمسك الصين بوحدة أراضيها وإصرارها على عدم التخلي عنه، وجاءت زيارة بيلوسي- والتي قدمت للصين الدافع – بأن أولوية بكين، تحولت ليس فقط الدفاع عن الاستقلال بل إلى السعي لتحقيق توحيد أراضيها.
لطالما كان فهم وتفسير سياسة الصين، أمراً حساساً، ويزيد الأمر تعقيداً عدم توفر المعلومات الكاملة، فقد تمّ وضع العديد من الافتراضات، مثل تصميم الرئيس شي جين بينغ على تحقيق التوحيد باعتباره هدفاً رئيساً لقيام النظام الجمهوري للصين.
لقد أوصلونا إلى تكهنات، تُرجمت إلى معتقدات راسخة وعميقة، مثل وجود جدول زمني للتوحيد. حيث تشكل المعتقدات سياق ردود فعل السياسة الأمريكية، وغالباً ما تُفقد الفروق بين الواقع والمعتقد.
على سبيل المثال، الدلائل الملموسة للافتراض القائل بأنّ الرئيس بينغ “يجب” عليه تحقيق التوحيد بظلّ قيادته أو خلال فترة ولايته الثالثة، غير موجودة، ولما على الصين أن تحدد موعدا نهائياً لتحرم نفسها من المرونة وركن نفسها في الزاوية.
ونظراً لتدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين وزيادة المنافسة الاستراتيجية، فإن انعدام الثقة يدفع كلا منهما إلى افتراض أسوأ النوايا تجاه الآخر، بما في ذلك التخطيط لأسوأ سيناريو بشأن قضية تايوان.
تفترض الصين أن الولايات المتحدة “تفرغ” من سياستها تجاه الصين وستسعى في النهاية إلى منع التوحيد. كما تفترض الولايات المتحدة أن الصين ستستخدم القوة لتحقيق الوحدة رغم تفضيلها الحل السلمي، وبعد هذا التوحيد بالقوة برأي أمريكا، ستكون تايوان “الضحية” التالية لـ “دولة واحدة ونظامين”.
سيكون من الصعب تقييم فيما إذا كانت زيارة بيلوسي هي الحدث الأخير فقط في سلسلة من الانحدار اللولبي، أو نقطة التحول التي تبشر بعصر جديد.. الحقيقة هي أنه يمكن أن تكون كليهما.
يتكهن الناس بأن أنشطة جيش التحرير الشعبي ستصبح الوضع الطبيعي الجديد. قد يكون هذا صحيحاً، ولكن جيش التحرير الشعبي كان يجري تدريبات روتينية في جميع أنحاء تايوان حتى قبل الزيارة، وسنعرف لاحقاً فيما إذا كان سيكررها بالقرب من تايوان أم لا.
ومن التطورات الجديدة الأخرى الملحوظة التصميم الواضح في الكتاب الأبيض التايواني على ضرورة تحقيق التوحيد، ومع ذلك، فإن كيفية تحقيق ذلك هو السؤال الذي طُرح منذ أكثر من سبعة عقود، لذا فإنّ انعكاسه في الاستراتيجيات والسياسات، مازال غير واضح.
قد يقول البعض إن الإجابة تكمن في قدرات جيش التحرير الشعبي – وهذا صحيح، لكن وبمعرفة التكاليف وعدم القدرة على الحكم في تايوان بعد الانقلاب العسكري، فمن غير المتصور أن ترى بكين استخدام القوة كنهج مفضل.
فعند مناقشة “هجوم” من البر الرئيس على تايوان، يميل الناس إلى نسيان أن سياسة الصين ليست مصنوعة من فراغ، وأن الفعل وردّ الفعل مهم للغاية.. الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة وتايوان لها تأثير كبير على حسابات بكين.
الاعتقاد بأن كل ما تفعله بكين يزعزع الاستقرار، وأن كل ما تفعله واشنطن وتايبيه يعمل على تحقيق الاستقرار، يتعرض لتحد من قبل المزيد من المراقبين، ولا يرونه واقعياً، قد لا ترى بكين استخدام القوة كأسلوب مفضل للتوحيد، ولكن إذا اعتقدت أن الدعم الأمريكي يؤدي إلى استقلال تايوان المحتم، فإن استخدام القوة لردع الاستقلال لن يكون مختلفاً عن استخدام القوة من أجل التوحيد من حيث النتيجة.
من الغريب أن نقول إن استخدام القوة قد يكون الاستراتيجية المفضلة لبكين حتى لو تمكنت من الفوز بالحملة العسكرية، فإن التكلفة الاقتصادية والبشرية ستكون كبيرة.
في عصر تنافس القوى العظمى، فإن الكثير من سياسة الولايات المتحدة تجاه تايوان مترسخة في انقسامات داخلية عميقة وصراع سياسي.. حيث تشعر السلطة التنفيذية بأنها مضطرة ليس فقط من قبل الحزب الجمهوري، ولكن أيضاً من خلال إجماع الحزبين في الكابيتول هيل، إلى زيادة الدعم لتايوان.
هذا وذهبت بعض الأصوات إلى حد مطالبة الولايات المتحدة بالتخلي عن سياسة الصين الواحدة ودعم استقلال تايوان.. هذه الإجراءات، إذا تم اتخاذها، ستؤدي على الأرجح إلى طوارئ عسكرية حقيقية في مضيق تايوان، والتي يدعي الناس أنهم يريدون تجنبها.
ومع تطور هذه الاتجاهات، من المحتمل أن يصبح “الوضع الطبيعي الجديد” للتوترات المتصاعدة وعدم الاستقرار على مضيق تايوان.
المصدر: صحيفة جنوب الصين الصباحية