الثورة- ترجمة ميساء وسوف:
هل يحق للولايات المتحدة الأمريكية تجويع الشعوب لتحقيق أهداف سياسية؟.. على الرغم من أهميته الواضحة، إلا أن هذا السؤال غائب إلى حد كبير عن الخطاب العالمي السائد.
من خلال العقوبات الاقتصادية، أو الحرب الاقتصادية، يمكن للولايات المتحدة أن تدمر الاقتصادات من جانب واحد وتولد المجاعة في البلدان الأخرى، غالباً ما يكون عدد الضحايا المدنيين جراء العقوبات مساوياً، وأحياناً أكبر من الخسائر الناجمة عن الحروب التقليدية.
تدير الولايات المتحدة نوعين من العقوبات: أولية وثانوية، تقطع العقوبات الأولية العلاقات الاقتصادية بين الكيانات الأجنبية المستهدفة، الدول أو الأفراد أو الصناعات أو الشركات، وبين الاقتصاد الأمريكي.
العقوبات الثانوية، والمعروفة أيضاً باسم “العقوبات خارج الحدود الإقليمية”، هي أكثر ضرراً، حيث تفرض هذه العقوبات عقوبات أخرى على الأطراف الثالثة غير الخاضعة للولاية القضائية للولايات المتحدة إذا رفضوا وقف العلاقات الاقتصادية مع البلد الذي تفرض أمريكا عليه عقوبات بموجب العقوبات الأساسية. على سبيل المثال، فرضت الولايات المتحدة عقوبات أولية وثانوية على البنك المركزي الإيراني (CBI).
لذلك، تحظر الولايات المتحدة على المواطنين والشركات الأمريكية القيام بأعمال تجارية مع البنك (عقوبات أولية)، وتفرض عقوبات على أي دولة أو فرد أو شركة أجنبية تختار العمل مع البنك المركزي الإيراني (عقوبات ثانوية).
يؤكد العديد من الباحثين القانونيين ومعظم العالم، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، أن هذه العقوبات الثانوية تنتهك بوضوح مبادئ القانون الدولي، وتتدخل في سيادة الحكومات الأجنبية، وهي في النهاية غير شرعية.
ومع ذلك، نظراً لخطر الانقطاع عن الاقتصاد الأمريكي والدولار، غالباً ما تُجبر الدول على الامتثال، بغض النظر عن مخاوفها القانونية أو الأخلاقية.
من خلال العقوبات، يمكن للولايات المتحدة، في الواقع، أن تتسبب في انهيار الاقتصادات الأجنبية بجرة قلم، وفرض عقوبات على السكان المدنيين.
العقوبات الحالية على سورية، على سبيل المثال، المنصوص عليها في “قانون قيصر”، تمنع الكيانات الأجنبية من المشاركة في جهود إعادة الإعمار التي تشتد الحاجة إليها في سورية وتعوق تدفق المساعدات الإنسانية وغيرها إليها.
يزعم قادتنا السياسيون باستمرار أننا نفرض عقوبات لحماية المدنيين وتعزيز حقوق الإنسان، إلا أن هذا الخطاب، في الواقع، يتعارض تماماً مع هذه القيم المزعومة، ولكن، مثل غيرها من أدوات السياسة الخارجية الأمريكية، ترتبط العقوبات بمصالح النخب الأمريكية، فالدول التي تتماشى مع مصالح واشنطن معفاة من العقوبات، والدول التي ترفض أو تختار الانضمام إلى خصم أمريكي ليست كذلك.
على الرغم من الإدانة الدولية والحصيلة المدمرة والمعاناة الإنسانية الناجمة عن العقوبات، فإن انتقاد الأوساط السائدة ضئيل، فهذه العقوبات، للأسف، هي من كلا الحزبين. و” قانون قيصر” عام 2019، الذي يهدد المدنيين السوريين قدمه النائب الديمقراطي إليوت إنجل، وتم تمريره بدعم من الحزبين، ثم تم توقيعه ليصبح قانوناً من قبل الرئيس دونالد ترامب.
كما تمت الموافقة على مشروع قانون عام 2017 الذي زاد العقوبات المفروضة على إيران بشكل كبير، في مجلس الشيوخ بأغلبية 98 صوتاً مقابل صوتين فقط، فقد قام سياسيو المؤسسة من كلا الحزبين بشكل روتيني بحملات لدعم العقوبات، وأبرزها هيلاري كلينتون.
وعلى الرغم من الانتقادات واسعة النطاق لسياسات العقوبات المدمرة لإدارة كلينتون على العراق في التسعينيات، قامت هيلاري كلينتون بحملتها في عامي2008 و 2016 على وعد بتشديد العقوبات بشكل جذري على إيران وتم تطبيق “أقسى نظام عقوبات في التاريخ”.
فقط بيرني ساندرز وراند بول وعدد قليل من الديمقراطيين في الكونغرس تحدوا إجماع الحزبين وأعربوا عن معارضتهم الشديدة للعقوبات.
في المؤسسة الليبرالية السائدة، من المقبول تماماً أن لواشنطن الحق في فرض هذه العقوبات، بغض النظر عن الخسائر الإنسانية المروعة.. إذا كان من المفترض السماح للولايات المتحدة بتدمير الاقتصادات، وتوليد المجاعة، ودفع السكان المدنيين إلى الفقر المدقع لتحقيق أهداف سياسية وليست إنسانية. فكيف سنشعر إذا كنا” نحن الأمريكيين” ضحايا هذا النوع من الحرب الاقتصادية؟ قد تكون تجربة فكرية لكنها غير واقعية بسبب ضخامة القوة الأمريكية.
تخيل إذا قام المجتمع الدولي، رداً على الغزو الأمريكي غير القانوني للعراق، بفرض عقوبات واسعة على الولايات المتحدة، تخيل أن هذه العقوبات أدت إلى انهيار اقتصادنا؛ وتسببت في نقص حاد في الأدوية؛ زيادة الجوع والبطالة؛ وأدت بشكل مباشر إلى مقتل الآلاف أو مئات الآلاف أو حتى الملايين من الأمريكيين. إلى أولئك الذين يدعمون العقوبات كأداة للسياسة الخارجية الأمريكية: هل هذه النتيجة الافتراضية عادلة؟..
أن تقول نعم أمر قاسٍ تماماً، لكن إذا قلنا لا، فنحن قاسون بالقدر، ولكننا منافقون أيضاً.