الملحق الثقافي- عبد الحميد غانم:
بعد سنوات الحرب والضغوطات التي تعرض لها السوريون في قوتهم وحياتهم اليومية وفي فكرهم وهويتهم ومستقبلهم، لم يكن الواقع الثقافي المعاصر بعيداً عن تأثره بهذه التحديات.
إذ يواجه واقعنا الثقافي المعاصر تحديات جمة وكبرى، تتجاوز أبعاد حياتنا المتنوعة، الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغير ذلك، وعلى قمة تلك التحديات تتربع التحديات الفكرية الثقافية وتحقيق الذات والهوية، وتبرز عند قاعدته التحديات المادية، ويحيط بذلك كله منظومة هموم متولدة، تعصف بواقعنا الثقافي، وتقض مضجعه، ما يتطلب منا وقفة جادة، وتعاط مبدع مع ثقافتنا العربية، بحيث نتجاوز بها نقاط السلبية التي تعج بخريطة واقعنا الاجتماعي ونستشرف بها المستقبل، لذا يعد من مهام ثقافتنا العربية معالجة هموم الواقع سعياً للخروج منها نحو منعطف حضاري جاد، نستشرف من خلاله المستقبل بإستراتيجيات منهجية وبفكر واع، نستطيع من خلاله اقتحام آفاق إبداعية جديدة، لغاية بلوغ جوهر ومضمون المنجز الحضاري المعطاء.
إذا أرادنا خروج ثقافتنا من واقعها الصعب ومن جمودها فلا بد لها من وقفة متأملة مع الذات، ومراجعة مستمرة لمشروعنا الثقافي وأساليبه وأدواته المعبرة عن هويتنا الذاتية ومعطيات فكرنا، لضمان توفر أقصى درجة يمكن الوصول إليه من القدرة على تحليل واقع ثقافتنا العربية، واستشراف مستقبلها في رؤية موضوعية جادة تتسم بالاتزان بين الأصالة والمعاصرة والانفتاح الجاد الواعي، لا المنسلخ نحو منهجية الترقيع والانسحاب من قيم أمته الخالدة.
ولعل هذه الثلة من الأفكار تشكل منظومة الأهداف التي يسعى مثقفو الأمة بكافة أطيافها، لغاية تحقيق حالة تلاق عربي مبدع في عصر الرقمية الذي أخذ يتسارع بأشكال مختلفة، في ظل الثورة المعلوماتية، وتحديات المرحلة الانعطافية التي مرت بها سورية والمنطقة، ما يحتم النهوض الجاد نحو التواصل الفكري والحفاظ على ثقافتنا، وتحقيق حالة بوح مفتوحة تجاه جرحنا النازف في هذا الصدد، ومعالجة منظومة الهموم التي تعتصرنا في هذا الاتجاه، في ظل تسام وتساوق رائعين نحو تقديم منظومة حلول واعية لهمومنا الثقافية.
إنّ مـــا شهـــدته سورية والمنطقة والعالم من أحداث وتحوّلات خلال السنوات الحادية عشرة الماضية في مجالات عديدة يدعــونا إلى مــراجعة واقع الثّقافة الذي وصلت إليه وتجديد أهدافها وهياكلها ومضامينها الموروثة عــن العهــــود السّابقة.
وأبرز ما يميّز المرحلة الحاليّة تفاقم مشكلات الثقافة وهواجسها وافتقارها إلى مزيد من الاعتمادات والتّشريعات المناسبة؛ هذا، إضافة إلى بروز أشكال مستحدثة للممارسة الثّقافيّة على الشّبكة العنكبوتيّة، بل وظهور ثقافات مضادّة مما يشير إلى تشكّل واقع ثقافيّ مختلف خارج الأطر التّقليديّة للثّقافة؛ والسّؤال، هنا، من المسؤول عن تردي واقع الثقافة، هل المثقفون أنفسهم أم المجتمعات التي يعيشون في ظهرانيها، أو أنها مسؤولية الدول والحكومات والأنظمة؟ سؤال الإجابة عنه برسم كل هؤلاء.
هل أنّ من واجب الدّولة باعتبارها الطرف الأقوى والأقدر على التحول والتغيير أن تستوعب ذلك الواقع الجديد بتشعّبه وأن تضع له ما يناسب من هياكل وتشريعات ضمن المشروع الثّقافيّ الوطنيّ؟.
الواضح أنّ مقتضيات المرحلة، بما تحمله من ضرورات، تُلْزم الجميع من مثقفين ومعنيين في مختلف القطاعات في الدّولة بالنّهوض بذلك المشروع لا بالرّؤى المُسقَطة والتّعليمات الفوقيّة، بل بالسّياسات المستخلصة من الاستشارات العلمية الجادّة والدّراسات الواقعية والقاعديّة المعمّقة والمعطيات الإحصائيّة والمؤشرات الموضوعيّة التي توفّر مرتكزاً لرصد الحاجات الثّقافيّة والعمل على إشباعها تحاشياً لما قد يحدثه إهمالُها من توتّرات وآثار سلبيّة على المناخ الاجتماعيّ، علما بأنّ المشكلات أيّاً كانت لا تخلو من بعد ثقافيّ.
فوجودنا كمجتمعات في التاريخ والجغرافيا مرهون بالمقام الأول بوجودنا الثقافي، في الوقت الذي أصبحت المجتمعات الغربية تروج لثقافاتها وقيمها وأنماطها السلوكية المتناقضة مع ثقافاتنا المحلية، والتي باتت تهدد الخصوصيات الثقافية والحضارية لبلداننا وأوطاننا التي أصبحت تعيش حالة تبعية ثقافية من خلال ما أفرزته العولمة، والتكنولوجيا، فالثقافة العربية واجهت تحديات كبيرة تتطلب منا اتخاذ التدابير والإجراءات الصارمة والفعالة لمواجهة هذه الوضعية التي اخترقت المجال الثقافي لها والتي تهدد بتهديد خصوصيتنا الثقافية وكسر انتماءاتنا والتي أدت إلى مشكلة الوعي المستند إلى الهوية وكيف يمكن الحفاظ علهيا وتأكيدها.
العدد 1112 – 20- 9-2022