الثورة- لميس عودة:
من يفخخ العالم بديناميت الحروب والإرهاب، ويقتات على مفرزات الأزمات ويغرف من قناة الاضطرابات على امتداد الشرق والغرب، هو نفسه الغرب الاستعماري الذي ينسف التزاماته بتعهداته، ويتربص شرا ومكرا بأمن الدول وسلام شعوبها، فنزعة الغرب المغلفة بالديمقراطية والمحشوة بسموم أطماع تمدد النفوذ الاستعماري، وسمت تاريخه الموغل بالتعديات، قادت منذ عقود خطواته المنفلتة من أي ضوابط أخلاقية وإنسانية لافتعال الأزمات والتصيد القذر في عكر فوضى إرهاب واقتتال افتعلها وأوقد فتيل اشتعالها.
فدور الغرب في الأزمات الدولية وانخراطه في تأزيم الأوضاع بين الدول لا يحجبه غربال تضليل ومواربة، و نكوصه عن تعهداته الرسمية وبعضها مثبت في معاهدات دولية جلي وصارخ.
فمن أوكرانيا إلى تايوان، وغيرها من الأزمات المفتعلة ساهم نقض الغرب لتعهداته الدولية في اندلاع أخطر الأزمات وأشدها تبعات وتأثيرا على السلم والاقتصاد العالميين.
فالولايات المتحدة التي أعلنت بشكل صريح في بيان شنغهاي عام 1972 التزامها بسياسة ” صين واحدة” – وكان هذا الإعلان حجر الزاوية لعلاقات بين بكين وواشنطن -وفي عام 1979أقامت الولايات المتحدة علاقة رسمية مع الصين أساسها التأكيد على الالتزام بأن الصين الشعبية هي الممثل الوحيد للصين بما في ذلك تايوانْ، عاودت مجدداً لخرق التفاهمات وصوبت رصاص شرورها إلى جسد التزاماتها المعلنة.
فالإقرار الأميركي بمبدأ “صين واحدة” كحقيقة تاريخية وجغرافية، تدحضه كل الممارسات الأميركية العدوانية بتكثيف مرور سفنها الحربية في مضيق تايوان وتسليح النظام الانفصالي فيها، وخرقته الزيارات و السلوكيات الاستفزازية، كذلك نفخها في جمر التوتر وتغييم الأجواء الدبلوماسية بين الصين واليابان بمزاعم تهديدات من الجانب الصيني لا وجود لها إلا في مخيلة صناع الحروب والأزمات الأميركيين .
أما بالنسبة لتعهدات واشنطن لموسكو من أكثر من ثلاثة عقود بعدم توسع الناتو شرقا وتهديد امن روسيا عسكريا تجاوزته أميركا وتنصلت منه في سعيها المحموم لحصار روسيا وشل اقتصادها واستنزاف قدرات جيشها العسكرية في حرب طويلة الأمد تصب فيها واشنطن وأتباع شيطانتها البارود على نار الحرب الأوكرانية.
فالغرب لم يلتزم بتعهداته لروسيا بعدم توسع حلف شمال الأطلسي شرقاً والتي أكدتها وثائق أمريكية وسوفييتية وأوروبية رفعت عنها السرية قبل الحرب الأوكرانية، كشفت أن وزير الخارجية الأمريكي السابق جيمس بيكر، أكد لميخائيل غورباتشوف عام 1990 في محادثات جمعتهما أن الناتو لن يتوسع “بوصة واحدة” شرق ألمانيا، وآنذاك، قبلت واشنطن بأن هذا هو الخط الأحمر لروسيا، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
وفي اليوم التالي لتلك المحادثات، وفقاً لوثائق وزارة الخارجية الألمانية الغربية في 10 شباط 1990، قال وزير خارجية ألمانيا الغربية، هانز ديتريش غينشر لنظيره السوفييتي إدوارد شيفرنادزه: “من جانبنا هناك أمر واحد مؤكد: الناتو لن يتوسع إلى الشرق”..
الأمثلة كثيرة عن ما يقوم به غرب تابع تقوده أميركا من خروقات وتنصل من التزامات وتعهدات نكصها جموح واشنطن للتسلط والهيمنة ومحاولة إزاحة روسيا والصين عن مشهد المنافسة عالميا بإلهاء موسكو وبكين بتوتير حدودهما وإشعال البحر الأسود والشرق الآسيوي بنار الفتنة وصب زيوت التجييش والتأجيج على نار أزمات يمكن حلها دبلوماسيا إذا كفت أميركا وبيادقها الغربيون عن العبث باستقرار الدول وتهديد أمنها الاستراتيجي .
ما يحدث على ضفتي العالم الشرقية والغربية من اهتزازات سياسية واقتصادية يشي أن ثمة مخاض لعالم متعدد الأقطاب أذنت ولادته، وان الغرب الاستعماري الذي لطالما انتشى بالخراب وأوغل بالانتهاكات لتعهدات دولية أقر واعترف بها وحاول مرارا التصيد في عكر الأزمات وفوضى الإرهاب بات لزاما عليه أن يعيد حساباته الخاطئة والتمعن مليا بإرهاصات مراحل قادمة تلوح بالأفق العالمي ستكبح جماح التجبر والتسلط الأميركي الغربي وتعدل ميزان القوى العالمي.