بشار الحجلي
يعرفون دوماً بالكبار، فهم ذاكرة الوطن التي لا تشيخ أبداً، وهم الركيزة، والأساس الداعم لكل عمران مستقبلي، يقدمون الخبرة ويوزعون الثقة، والأمل حيث تجدهم أفنوا عمرهم في خدمة العمل الوظيفي تاركين خلفهم تقاليد عمل، شكلت عند من أصاب فيهم بوصلة النجاح، فترك بصمات لا تمحوها السنوات، ودليل عمل لأجيال لاحقة، رغم تبدل الأساليب والأدوات.. إنهم خميرة الوظيفة العامة، التي عززت جبهات العمل والإنتاج في وطننا الحبيب.
حال المتقاعدين، اليوم لا يسر صديقاً أبداً, وحديثنا هنا عن السواد الأعظم منهم، الذين باتوا لا يملكون سوى راتبهم التقاعدي، مصدراً للعيش، وباتت تحاصرهم الحياة بكل أبعادها، انطلاقاً من الوعود القديمة الجديدة بالنقاش الحكومي لاستصدار قرار يرفع سن العمل الوظيفي لـ ٦٥ عاماً لمن تسمح له حالته العامة, وصولاً لإغلاق أبواب التأمين والرعاية الصحية للمتقاعدين، مروراً بضعف راتب المتقاعد، وعدم كفايته لتأمين أبسط متطلبات الحياة، هذا غير الحديث عن أشكال الخذلان المختلفة التي تصادفهم، فلا كلامهم يسمع، ولا نصائحهم تقضي الغرض، فالجيل الحالي – جيل هذا الزمان – سبقهم بخطوات واسعة، دون أن يلتفت للوراء، وإن فعل، فمن قبيل العرفان لمن رباهم، أو رسم لهم ملامح الطريق، قبل أن يشتد عودهم.
المتقاعدون اليوم، أمام مطارق الحياة الصعبة، وأمام مزاجيات الجيل الجديد، باتوا يحتاجون “جبر الخاطر”، وأن يؤخذ بيدهم ومشورتهم، يحتاجون من يسمع أصواتهم، فيما تبقى لهم من رحلة الحياة القصيرة، فالكل في نهاية المطاف، سيعبرون هذا المنعطف وستصل بهم الطريق للتقاعد.
قبل أيام، وفي رحلة الانتظار لاستلام الراتب التقاعدي، علمت أن علينا مراجعة فرع التأمينات الاجتماعية في ريف دمشق، حيث تنجز فيه الآلاف من معاملات رواتب المتقاعدين.
هناك، أدركت حجم العمل الذي ينجزه موظفو التأمينات في هذا الفرع، وفي غيره، ومثلهم موظفو التأمين والمعاشات، وحرص الكثيرين منهم، لإنجاز معاملات التقاعد، والراتب التقاعدي في أبسط وأسرع وقت، ليختصروا الزمن, على من كانوا يوماً, قدوة لهم في مواقع العمل والإنتاج، إنهم يتعاملون بكل الحب والاحترام فاستحقوا التنويه والتحية.
هذه الصورة المشرقة, يقابلها ألم في مكان آخر، ألم ممزوج بالحزن، وأنت ترى متقاعدي الوطن، يصرفون أياماً، وبالطوابير، أمام الصرافات، التي تشكو قلة السيولة، والخروج من الخدمة، والتي تفتقر للشبكات، والتي تحتاج دوماً للتغذية الكهربائية، هذا غير الحديث عن صعوبة وصول المتقاعدين للصرافات، بسبب مشكلات النقل والمواصلات وغير ذلك.
مثل هذه الصورة البائسة, لا تليق بهم، ولا أظن أننا نعدم الوسيلة لتخفيف العبء عنهم، وتجاوز ما أمكن من المشكلات، التي تنغص حياتهم.
فالمتقاعدون بما قدموه في حياتهم الوظيفية يستحقون من الجميع، مبادلتهم الفضل، والتذكر دائماً بأن كل موظف آيل للتقاعد، فلنوفر لهم ما استطعنا، من عوامل الراحة والترفيه والاحترام، فقد آن لهؤلاء الفرسان أن يستريحوا..