الثورة – متابعة وقراءة عبد الحميد غانم:
تعد جامعة الدول العربية من أقدم المنظمات الإقليمية العربية وفي العالم، إذ تأسست عام 1945، وجمعت الدول العربية كأعضاء متساوين في التصويت والمشاركة، وشكلت القمم العربية أعلى مستوى سياسيا جمع قادة الدول والملوك والزعماء لبحث المشكلات والتحديات المشتركة، لكن هل نجحت هذه المؤسسة في تحقيق الأهداف التي بنيت عليها؟، وهل استطاعت قممها التي شكلت أبرز نشاطاتها أن تلبي حاجات الشعب العربي من المحيط إلى الخليج وتعبر حقيقة عن تطلعاته ووعيه للتحديات الماثلة أمام أمته ودولها منذ قيام الجامعة وحتى الآن؟.. تلك أسئلة وأسئلة أخرى كانت على بساط البحث في الندوة التي دعا إلى عقدها اليوم فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب تحت عنوان ( القمم العربية: ذكريات وتطلعات).
د. جبور: ضرورة تخلص الجامعة من هيمنة بعض الأنظمة العربية.
وأكد الباحث الدكتور حورج جبور عضو اتحاد الكتاب العرب أن سورية حرصت منذ تأسيس جامعة الدول العربية التي كانت عضواً مؤسساً لها على توحيد الكلمة والصف العربي في مواجهة التحديات التي تفرضها الأوضاع الراهنة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وسعت إلى أن تكلل القمة العربية بمخرجات بناءة من شأنها أن تسهم في تنقية الأجواء وتعزيز العلاقات العربية – العربية للدفع قدما بالعمل العربي المشترك نحو آفاق رحبة من التعاون والتنسيق في المجالات كافة.
وقدم الدكتور جبور خلال عرضه، من خلال ذاكرته الحية وحضوره العديد من القمم العربية بحكم عمله المسبق، إضاءة تاريخية واسعة على مشاهداته وانطباعاته وذكرياته حول ما جرى خلال القمم العربية التي حضرها، وتركت لديه الكثير من الاهتمامات التي أحب نقلها خلال الندوة.
واستعرض جبور أهم موضوعات القمم التي ركزت جلّها على قضية فلسطين، وكان موضوع أول قمة عربية والتي بادرت سورية إلى الدعوة لعقدها لاسيما بشأن الهجرة اليهودية إلى فلسطين ومخالفة مضمون صك الانتداب البريطاني لفلسطين.
وذكّر الدكتور جبور إلى أنه شخصياً أول من دعا إلى توثيق جلسات مؤتمرات القمم نظراً لعدم وجود محاضر موثقة لها، إلا أن نقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس بعد خروج مصر من الجامعة حال دون ذلك، ونوه إلى أن سورية اهتمت بنجاح القمم العربية وخروجها بقرارات مهمة تفيد العمل العربي المشترك للدفاع عن قضاياه والمحافظة على حقوقه، وتكون شاهداً للأجيال والتاريخ.
وعرض الدكتور جبور بعض الأسئلة الملحة أمام القمة العربية القادمة التي ستعقد في الجزائر يومي 1 و2 تشرين الثاني القادم، وهل ستكون قادرة على تمثيل الهم القومي وتتخلص من سيطرة وهيمنة بعض الأنظمة العربية على قراراتها غير المسؤولة لاسيما ما يتعلق بالفصل غير القانوني والشرعي لسورية عن الجامعة؟، وهل ستكون قمة الجزائر على مستوى المسؤولية لتذكير المنطقة والعالم بجرائم “إسرائيل” ضد الإنسانية لاسيما جريمة اغتصاب فلسطين وجرائم الاستيطان والتهويد والفصل العنصري الصهيوني بحق فلسطين وشعبها وأرضها وهويتها ومستقبلها؟، وهل تستطيع قمة الجزائر التي يتزامن انعقادها مع ذكرى يوم الوعد المشؤوم ذكرى وعد بلفور يوم الثاني من تشرين الثاني إلى يوم عالمي لإظهار عنصرية الغرب و”إسرائيل” بحق العرب والفلسطينيين؟، وهل ستكون القمة قادرة على إسماع صوتها للعالم لفضح جريمة الغرب وأمريكا الكبرى بزرع كيان استيطاني عنصري عدواني محتل داخل الجسم العربي الذي جاء بالويلات والنكبات والكوارث على فلسطين والأمة العربية، وزرع بذور الفتنة والتفرقة والهوان في الصف الفلسطيني والعربي؟، ودعا الدكتور جبور إلى ضرورة أن تقف الجزائر مطالبة الحكومات العربية باتخاذ قرارات مصيرية تعيد للأمة العربية دورها الحضاري الإنساني القادر على حماية مستقبل العرب وحقوقهم وهويتهم.
د. المفتاح: سعى البعض لفك سورية عن عروبتها
من جهته، تساءل الدكتور خلف المفتاح مدير مؤسسة القدس الدولية (سورية) عضو اتحاد الكتاب العرب، عما حققته القمم العربية التي تجاوز عددها أكثر من ثلاثين قمة بين عادية واستثنائية بالنسبة لصالح السلوك العام والمصلحة العربية المشتركة، وماذا قدمت للشعب العربي وقضاياه العادلة، منوهاً بأنها كانت عبارة عن فلكلور دولي أو حفل فني استعراضي للمشاعر، لم تمتلك الآلية العملية لمشروع مشترك استطاع أن ينقل العرب إلى مكانة دولية أفضل سياسياً واقتصادياً.
وقال الدكتور المفتاح: إن القمم العربية لم تعكس إرادة سياسية عربية مشتركة بقدر ما عكست مراكز قوى سياسية لبعض الأنظمة التي هيمنت في بعض الأحيان على إصدار قرارات باسم الجامعة لا تعبر حقيقة عن إرادة أعضائها ولا عن مضمون ميثاقها وروح أهدافها، وإنما تجسد التفرقة والانهزامية لدى تلك الأنظمة، وسعت إلى فك سورية عن عروبتها بعد فشل مخططات تقسيمها وتدميرها وإضعافها.
وأشار الدكتور المفتاح إلى أهمية الموقف القومي لسورية الذي حمى الجامعة وقراراتها من الانزلاق أكثر في الانهزامية والاستسلام للضغوط الغربية والأميركية وشروط التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، منوهاً بأهمية مشاركة القيادة السورية بمؤتمرات القمة بعد قيام الحركة التصحيحية عام 1970 في الحفاظ على العمل الوحدوي العربي والدفاع عن الحقوق الفلسطينية والعربية وبربط الوحدة بالمصالح والإرادة السياسية الحقيقية وليس بالعواطف والمشاعر فقط.
ودعا المفتاح إلى ضرورة أن تتحمل القمة العربية القادمة في الجزائر مسؤولياتها في الحفاظ على الحقوق العربية والفلسطينية وضرورة مواجهة الهجمة الغربية التي تستهدف الشعب العربي وواقعه ومستقبله، وإلى ضرورة الحفاظ على لغتنا العربية باعتبارها الأساس في الدفاع عن هويتنا وثقافتنا وحاضرنا ومستقبلنا.
د. زعرور: المشروع الغربي كذبة وخديعة
وكان الدكتور إبراهيم زعرور رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب قد افتتح الندوة، وأدار فعاليتها، مستهلاً حديثه بالتأكيد على أن سورية اليوم تخوض أخطر معركة في تاريخ المنطقة، واستطاعت بوحدتها الوطنية وحكمة قيادتها وبسالة جيشها وتعاون أصدقائها إسقاط المشروع العدواني الإرهابي، وقال: إن النظام السياسي العربي كما عكسته القمم العربية لم يمثل الشعب العربي ومصالحه، لكن لا يعني أن نكون متشائمين من هذه التجربة ولابد من التفاؤل بالمستقبل لأن المشروع الصهيوني إلى زوال طال الزمان أم قصر، والحلم الأميركي والمشروع الغربي كذبة وخديعة وفصوله العنصرية بدأت تتهاوى وتتكشف للعالم من خلال فشل مشروعاتها في استهداف منطقتنا ومناطق أخرى في العالم.
وأعقبت الندوة مداخلات وتساؤلات قيمة شارك فيها الدكتور صابر فلحوط رئيس الهيئة السورية لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومة المشروع الصهيوني والأستاذ أحمد الحسن وزير الإعلام الأسبق والمستشار رشيد موعد والدكتور بهجت قبيسي الأستاذ بجامعة دمشق وبعض أعضاء اتحاد الكتاب وعدد من الأدباء الشباب الذين أغنوا جميعاً الندوة بأفكارهم واقتراحاتهم حول سبل تفعيل العمل العربي المشترك.