إيهاب زكي- كاتب فلسطيني:
تعيش القضية الفلسطينية عهدها البائس، حيث الانقسام الفلسطيني الجذري والمزمن، وحيث الحرب الروسية- الأوكرانية، التي تشغل العالم بعيداً عن كل ما عداها، إلى ذلك غياب مشروع فلسطيني أو على الأقل غياب الخطاب الناجع والفعّال.
والانقسام الفلسطيني ليس انقساماً واحداً أو متفرداً، بل هو انقسام شديد الانشطار، ينشطر انقسامات على كل المستويات، ويطالُ كل الأطر والمؤسسات والتنظيمات، بما ينعكس على واقع المجتمع الفلسطيني، وبخلاف عوامل الانقسام المتجذر منها والمفتعل، فإنّ هناك انقساماً حاداً طرأ على خلفية ما يُعرف بعهد ما بعد عباس.
وهذا الانقسام سيكون دموياً على الأرجح، في حال لم تتمكن السلطة من إدارته بحكمةٍ وروية، ولكن على افتراض دمويته، لأسباب تتعلق بضعف السلطة وهشاشتها، فإنّ أول الآثار هي فوضى السلاح، وإن كان الكيان المؤقت يتوق لهذه الحرب الأهلية في الضفة الغربية، لكنه لا يأمن ألّا تطاله نيرانها، وهذه النيران ستصيب الكيان سواء أكانت بفعل فاعل أم بمحض طبيعة الأشياء.
حيث يمكن للفصائل الفلسطينية استغلال تفلت السلاح والفوضى الأمنية، في جعل الاحتلال يدفع أثماناً باهظة، خصوصاً مع التلاصق الجغرافي للضفة الغربية، وهذا ما يجعل العمل على انتقال سلس للسلطة، مسألة في غاية الإستراتيجية بالنسبة للاحتلال.
وما إعادة لابيد الحديث عن حل الدولتين، في خطابه أمام الجمعية العامة، سوى دعم واضح لسلاسة الانتقال، حيث إنّ إعادة إحياء هذا المشروع الذي مات منذ عهد نتن ياهو، هو مشروع لإطالة الأمل لدى خليفة محمود عباس، حيث سيأتي بناءً على برنامج السعي للوصول إلى حل الدولتين.
والكيان المؤقت يجهّز نفسه لجميع السيناريوهات، فلا يترك شيئاً للصدفة، حيث أنّ قوانين الصدفة تتنافى مع قوانين السياسة، كما أنّها تتنافى بالأخص مع الهوس الأمني للكيان المؤقت، وهذا ما يجعل سيناريو التجربة الغزية في الضفة الغربية، أمراً وارداً لا يمكن استبعاده.
ويحتاج الكيان المؤقت إلى قوة مقتدرة عسكرياً وسياسياً وجماهيرياً، من ضبط الأمن في حالة انتهاء عهد عباس، وهذه المواصفات في الساحة الفلسطينية، لا تتوفر سوى في جزء من غزة، وقد تكون هناك حركة نشطة مع أطراف دولية وإقليمية، لإنجاز هذا السيناريو، والاتفاق على هدنة لمدة 20 أو 25 سنة.
وفي النهاية سيقوم الكيان المؤقت بتصعيد سيناريوهات العدوان للحفاظ على أمنه ومخططه الاستيطاني، لذلك لا يمكن استبعاد هذا السيناريو، حتى لو على قدرٍ من المجازفة.