الملحق الثقافي- نبيل فوزات نوفل:
الفن ظاهرة اجتماعية معقدة عمرها عمر الإنسان، وهو يسمو بالإنسان لأنه يطهر الروح، ويحرر الإنسان من الغرائز المضرة. ويرى /غوركي/ أن أصل الفن هو العمل،لا اللعب، وهذا ما يؤكد أن الحاجة الاجتماعية هي تطلبت ولادة الفن كشكل من أشكال الوعي الاجتماعي، ومع مرور الزمن بدأ يخدم حاجات الناس في عملية الإنتاج المادي،وإنما بدأ يخدم في ميادين أخرى، في الحياة الاجتماعية؛ في السياسة،وفي الدين، والفلسفة.
وقد تحدث الكثير من المفكرين عن الفن ودوره، فمثلاً فيثاغورث وتلاميذه بحثوا عن الأسس الموضوعية للظواهر الجمالية،كما اهتم /فيثاغورس/ في تفسير الفن في التربية الاجتماعية،وكيف أن الموسيقا بألحانها الرائعة تسيطر على شعور الإنسان فتزيل منه جميع الصفات الشريرة، وتمحو الغضب، وتخفف من الغيرة العمياء، كما تزيل الخوف والشهوة.كما رأى/ فيثاغورس/ أن الموسيقا تشفي جسدياً واستخدم الرقص،وقراءة أشعار هوميروس، وهيسيوس لتطبيب الروح،في حين يرى هيراقليط(430-479 قبل الميلاد): إن التناسق هو أساس الجمال، أما ديمقراط(460-370 قبل الميلاد) فيرى أن الإلهام شرط ضروري للإبداع الفني،وكان يعتقد أن الإلهام هو هبة الطبيعة.أما سقراط(470-399قبل الميلاد) فهو يعتقد أن جميع نشاطات الإنسان لها هدف معين، وأن أسمى هدف لأعمال الإنسان هو الخير المطلق،والأعمال الفنية مفيدة، وكل عمل من هذه الأعمال يجب أن يكون له فائدة، والرائع هو الذي يفيد ويجدي معاً، والسيئ والرديء هو الشيء أو العمل الذي لا جدوى منه. أما أفلاطون(427-347 قبل الميلاد) فيرى الرائع، رائعاُ كفكرة خالدة،لا تطولها حركة ولا يعيبها تغير،إن الفنان ما هو إلا ناسخ لا يفهم المعنى الحقيقي للوجود الرائع، ولكنه يخلق عملاً فنياً، فهو يحاكي العالم المحسوس.
أرسطو وفن الشعر
أما أرسطو(384- 3229 )قبل الميلاد: فيرى في كتابه»فن الشعر» أن أسس التعبير، وهي الوسيلة ،الموضوع، الطريقة ،وتأتي أهمية كتابه كونه أول وثيقة نظرية وشهادة أمينة على تطور الفن الإغريقي،حيث وضع مسألة (الرائع) في مركز أبحاثه لكنه خالف أستاذه أفلاطون،وانتقده، حيث يعد الرائع صفة موجودة واقعياً. وفي كتابه «ما وراء الطبيعة» يقول: إن أهم معايير الرائع هو التراتيب، والتناسب، والوضوح، فالإنسان بحد ذاته تجسيد للرائع، والرائع برأي أرسطو يجب أن يكون له شكل محدد، وحجم معين، كالقصة يجب أن يكون طولها صحيحاً، لكي يستطيع القارئ أن يتذكرها.والمتعة في رأيه نابعة من أمرين: السرور بالفهم،والسرور بالمعرفة،حيث قسم الشعر إلى أنواع وأشكال، فقد فرق بين الشعر التاريخي،والشعر الملحمي، والشعر العاطفي، والشعر الدرامي.
كما أن قضية الفن التربوي احتلت مكاناً بارزاً في أعمال أرسطو، فهو يعتقد أن الفن لا يحتوي على قيمة ذاتية، وإنما هو مرتبط بحياة الناس الفكرية والأخلاقية ويهدف إلى الكمال في عمل الخير والفضيلة. لأن الفن يسمو بالإنسان، ويطهر روحه،ويحرره من الغرائز الضارة،كما اهتم/ لوكريشيوس/بقضايا الثقافة والفن، والفن في رأيه هو ضرورة إنسانية فبرزت الموسيقا، والرسم، والرقص، والغناء،كضرورة مكملة للحياة، والفن برأي /غاراتسي/ يجب أن يحافظ على الوحدة،والبساطة، والتكامل، والاستمرار، والصدق،وإذا رغبت في ابتداع شيء ما فكن في تفكيرك قريباً من الحقيقة، ويلعب الفن دوراً مهماً في التربية الأخلاقية وخاصة الشعر والموسيقا، ويذكر مؤرخو علم الجمال والفن،»قصة حي بن يقظان» التي تعد مثالاً عن كتابة القصة عند العرب أو الوصول إلى الحقيقة عن طريق التأمل والتفكير. كما عد ابن عربي، وذو النون، وأبو الحسين الدراج الموسيقا تساعد على فهم الحقيقة.
الكندي وإبداع الموسيقا
ولا بد من ذكر ابن رشد الفيلسوف العربي الذي يقول:إن فهم أي إنتاج فني من قبل أي إنسان مشروط بفهمه للحكمة التي توخى الفنان التعبير عنها من عمله الفني،والهدف الذي من أجله وضع هذا الإنتاج الفني،كما وضع الكندي في أحد مؤلفاته عن الموسيقا تعميماً عن التذوق الجمالي للألحان والأوان والروائح، كما عد إخوان الصفا الموسيقا حرفة من الحرف، وعبروا عن فهم عميق للموسيقا، ولها تأثير في النفوس،وقسموا الألحان إلى ألحان روحية تؤثر في النفس،مثل الأناشيد الدينية وتجويد القرآن، وألحان حربية حماسية تستخدم في الحروب،وألحان تستخدم أثناء العمل مثل أغاني صيادي الأسماك،وألحان حداثية مثل غناء الحداء في قافلة الجمال،أما ابن سينا فقد حدد في كتابه مسألتين؛ الأولى الصفات الجمالية للإدراك الصوتي ونشأة الموسيقا،حيث أشار ابن رشد إلى أن الهدف الرئيسي للفن الموسيقي هو التربية، فالموسيقا يجب أن تحث البشر على الصمود والعفة ورفض الألحان التي تدل على الخنوع والخنوع،ويرى تولستوي أن الفن الذي يستهلك جهوداً جبارة من قبل الناس،وحيوات البشر،ويهدم الحب بين البشر،ليس شيئاً واضحاً»،ومن وجهة نظر تولستوي، على العلم والفن أن يبرهنا على عدم جدوى الحروب وتخليص البشرية من ويلاتها، ومن جنون تعاطي المخدرات، وأن يوضحا تخلف التعصب القومي وأضراره.لذلك ركز على مقاومة العنف والشر،أما رسالة الفن عنده،فتكمن في نقل الحقيقة. ومهمة الفن هي تحقيق وحدة الناس الأخوية.
ويرى تولستوي أن خطر الفن المزيف على الفن الحقيقي يظهر عندما يصبح شحيح المضمون وأكثر غموضاً من حيث الشكل، فهو يفقد سمات الفن، ويصبح شبيهاً بالفن، ويبرز الشعر في مقدمة الأجناس الأدبية؛ ويعده أرقى الأجناس الفنية، وبالتالي فالعمل الأدبي إن كان شعراً أو رواية أو قصة،إن لم يحمل فكرة أو يتضمن قيمة جوهرية، تضيف شيئاً ما إلى ثقافة المتلقي،فلا نفع فيه كما لا يبتعد إرنست فيشر في كتابه»ضرورة الفن» عن آراء تولستوي،وهما يحذرا من أن يتحول الفن إلى سلعة،وهذا هو الخطر الأكبر. وبخصوص «الفن للفن»،ففي رأي إرنست فيشر أن هذه الحركة كانت مرتبطة بالرومانسية ويعد فيشر إن»شعار الفن للفن «هو محاولة وهمية للإفلات الفردي من الدنيا البرجوازية والرأسمالية، وتأكيداً للمبدأ السائد في هذه الدنيا،»الإنتاج للإنتاج» وهذا الشعر هو منغم وزاخر بالألفاظ ذات الجرس والرنين، وليس فيها غير بضعة أبيات مفهومة على الأكثر.ويتحدث إرنست فيشر عن الانطباعية ويراها عرضاً من أعراض الاضمحلال،ومن أعراض تفتت العالم وانعدام إنسانيته. كما يتوقف إرنست فيشر في كتابه(الشكل والمضمون) عند الشكل والمضمون فيرى أنه لا مضمون من غير شكل ولا شكل من غير مضمون،ومن الذين عارضوا الفن للفن الناقد الروسي بيلينسكي،الذي أكد أن الفن يجب أن يكون في خدمة المجتمع، ويجب أن يتوقف عن انشغاله بالتوافه والترهات، وعلى الفن أن يربي شعور الكراهية تجاه كل اضطهاد وتعسف، وأن يعبر عن آمال الشعب وآلامه ويساعد في تكوين الأسس الاجتماعية العادلة. وأن يكون نصيراً للشعب الفقير، فعندما يبتعد الفن عن القضايا الملحة في المجتمع فإن هذا الفن يفقد قوته،لقد ربط بيلنسكي الفن بالمجتمع وبأناسه، وجعله في خدمة المجتمع،أي إن مهمة الفن السمو بالروح الإنسانية وفهم الحياة وتهذيب علاقات الإنسان بالإنسان، ويرى الناقد نيقولا دوبروليوبوف أن على الفن والأدب أن يعيدا تشكيل الحياة وفي تطويرها ودفع عجلة المجتمع إلى الأمام،وإلى التقدم،وإن الصدق هو الشرط الضروري للإبداع الفني،وكما يرى الأديب مالك صقور في كتابه ما الفن؟ إن سبب خلود بعض الأعمال،وزوال بعضها الآخر، يعود لسببين :الأول:موضوعها،وهدفها، ومحورها،الذي يجب أن يكون الإنسان، والثاني:قيمتها، والفنية التي هي بمنزلة الرجولة من الرجل،والأنوثة من المرأة،فوظيفة الفن هي التنوير،الذي يخلق منظومة وعي معرفية،وكما يرى تولستوي أن مهمة الفن هي نقل الحقيقة من مجال العقل إلى مجال الأحاسيس التي تفيد بأن خير الناس هو إقامة مملكة الحب، وأن مهمة الفن هي تحقيق وحدة الناس الأخوية، وكما يقول الأديب الكبيرميخائيل نعيمة في فهمه للفن:»فإن سئلتم عن إبداع آيات الفن وأغلاها،قولوا:»ضمير لا يسخر،وجبين لا يعفر، ولسان حليم شكور، وقلب عفيف غفور،وعين لا تبصر القذى، ويد لا تنزل الأذى، وفكر يرى في البلية عطية، وخيال يربط الأزلية بالأبدية».ويلعب الفن السابع دوراً مهماً في المجتمع فكما يرى توفيق الحكيم أن السينمائي الحق، هو ذلك الذي يجعلك تدرك أعمق ما يمكن من اللمحة التي تخطف بصرك فوق «الشاشة» وأن كل الفنون تجتمع عنده وفيه، وهو فن وصناعة معاً، والمدقق في واقع السينما العربية يجد أنها في وضع لا تحسد عليه،فهي تعامل الجمهور بمنتهى الاستخفاف والابتذال إلا ما ندر،إن السينما سلاح فعال من أسلحة الكفاح الإنساني،وتحاول القوى الإمبريالية استثمارها لتدمير ثقافات الشعوب وتشويه حضارتها وتدمير قيمها وتمييع قضاياها.
العدد 1114 – 4- 10-2022