أيادٍ تمتد بسخاء وثقافة تعاون مجتمعي.. السوريون ضد الكسر

حملت يافعها المريض، وانطلقت به حزينة، لعيادة الطبيب، على أمل أن يساعدها في تقديم العلاج المناسب، لكن كلمات سمعتها عن صعوبة العلاج، وارتفاع التكاليف، أصابتها بالانكسار، لأنها لا تملك قيمة العلاج المرتفع، لفتى يعاني مشكلات صحية كبيرة، وغيرها من الأمراض، التي تحتاج لفريق طبي متكامل.
لفتت نظرات الأم ودموعها المتساقطة، باستحياء، اهتمام رجل ستيني، ينتظر دوره في العيادة، فاقترب بلطف من الفتى المريض، وسأله بحنان أبوي عما يشتهي ويحب فقال الفتى بلغة غير واضحة: أريد معالجة أسناني، فقال الرجل هذا فقط؟ تابع الفتى: أريد عربة أجلس عليها بدل التي تحملني بها والدتي.
ابتسم الستيني ودفع للأم ورقة تحمل رقم جوال، وقال لها: أرجو أن تكلميني بأقرب فرصة، ثم التفت للفتى مبتسماً وهمس له: لا تحزن ستحصل على ما تريد.
بعد وقت قصير، جربت الاتصال، فجاء الجواب: الرجاء مراجعة المشفى الفلاني غداً صباحاً، فهناك من يهتم لولدك.
عند مراجعة المشفى، وجدت كل الاستعداد من إدارتها، والطاقم الطبي، لفحص الفتى وتقديم كل المطلوب، سألت عن المبلغ فقالوا هناك من تكفَّل بكل المصاريف والرقم لديكم.
شكرت الأم ربها، وكان همها علاج الفتى، وهكذا جرت الأمور على أحسن وجه، بعدها تذكرت صاحب الرقم، فاتصلت لتشكره فعرفت الصوت.. هو ذلك الستيني الذي قابلته في عيادة الطبيب، حاولت جاهدة معرفة اسمه لكن عبثاً، ولم تجد جواباً سوى السؤال عن صحة الفتى، والتهنئة بنجاح العلاج، ورجاء من صاحب الصوت أن يتكرر الحديث، عندما تشفى جراحات الفتى، وبالفعل تم ذلك، والتقى الجميع في مكان ما من العاصمة، وتحديداً حيث تتوفر التجهيزات الطبية.
سأل الستيني الفتى: هل تريد العربة؟ قال الفتى: نعم، دخل الرجل مكان بيع التجهيزات وانتقى كرسياً بعجلات، يعمل بالكهرباء، ذاتي الحركة، بسعر تجاوز المليون ليرة.. قدم الكرسي للفتى، وقال لأمه مبارك سيدتي، وأرجو لابنك السعادة، ركب الستيني سيارته وانصرف فتابعته الأم بنظرات الشكر والامتنان.
اليوم كل الجيران، وأهل المنطقة التي تسكنها عائلة الفتى، يتابعون حجم السعادة والفرح، التي يعيشها الفتى، والامتنان من قبل أسرته الفقيرة جداً.
الفضول دفع أشخاصاً من الحي للاتصال برقم الستيني، فاكتشفوا أنه مخصص للمساعدة الاجتماعية، وليس هناك أي تفاصيل إضافية عن معرفة هوية فاعل الخير.
القصة ليست من الخيال، فهناك الكثير منها تتكرر يومياً، وفي مناطق متفرقة من بلدنا، تعكس غيرية السوريين، وتكاتفهم الاجتماعي وتسابقهم لفعل الخير، لا يطلبون عباءة من أحد، ولا حمداً أو شكراً سوى لله وحده.
هم السوريون الذين لم تكسر حرب السنوات الظالمة، شوكتهم وتكاتفهم، ومحبتهم، ويكفي أن نشير لحجم الأعمال المهمة والنوعية، التي تتصدى لها مبادرات الخير، والتعاون، وكم تقدم الهيئات والمنطمات، والجمعيات الأهلية، التي ظهرت خلال سنوات الحرب وقبلها، من أشكال العون لمن يحتاجها من العائلات، والأفراد في بلدنا.
لن نتحدث عن مبادرات أو جمعيات بعينها، لكننا نؤكد إن ما قلناه هو سمة مميزة لمعظم السوريين، داخل الوطن ولأبنائنا المغتربين حيثما وجدوا، وهم من حملوا هم أهلهم في الداخل، وتعاطفوا بكبرياء، مع أوضاعهم البائسة، التي خلفتها سنوات الحرب، والحصار والعقوبات الظالمة، فكان ولا يزال يسكن الوطن كاملاً عيون أبنائه الشرفاء، الذين لم ولن ينسوا أهلهم في الوطن، من الدعم المادي والمعنوي، فهناك مبادرات فردية وجماعية، لتقديم المساعدة للطلاب في قرى ريفنا السوري، من كتب، ولوازم دراسة، ومواد تدفئة وتحمّل تكاليف التنقل، للمدرسين والطلاب، وتجاوز الأمر لتقديم الدعم المادي، للمئات، وربما الآلاف من طلاب المدارس والجامعات، مقابل أن أحداً لا يعرف أسماء المتبرعين أو الداعمين.. ولن ننسى حجم ما قدم، ولا يزال يقدم من معونات غدائية، وصحية استفادت منها شرائح واسعة من أهلنا في الوطن.
هذا الشعب العصي على الانكسار، الحنون على أهله، وناسه ووطنه يستحق منا كل التحية، والعرفان لكل ما قدم، فصار المثال بالصمود والصبر، والتكاتف الاجتماعي، ليسدّ النقص، والعجز في أداء الكثير من المؤسسات والهيئات المعنية ويخفف العبء الثقيل عن كاهل الوطن الموجوع.
هنا نستطيع القول، إن هذا الحديث، يمكن أن يؤسس لثقافة العمل الجماعي، التي نحتاجها اليوم، ونحن مقبلين على إعمار الوطن، لكن الأولى أن نبدأ بعمران النفوس والقلوب، عمراناً يسود فيه العقل، وتختفي الأنا المريضة الضيقة، والقاصرة، عمراناً نحتفل معه بتباشير نصرٍ مكتمل، وأيادٍ تتشابك لتعلي عملية البناء.
ثقافة ينصهر فيها الخاص بالحالة العامة، ثقافة تكرّس العطاء بكل درجاته، عندها نستطيع أن نكون الأفضل في عالم تتغير فيه مناسيب منظومة القيم في صالح أهله.
هنا يمكننا القول: إن هامات الوطن أعلى بكثير من رقاب من يحاول تشويه صورته، وأكبر بكثير من مجرد أحلامهم.

فالتحية لكل يدٍ تمتد بسخاء، ولكل نفسٍ تعطي بالمحبة، ولكل من يعمل بإخلاص من أجل وطنٍ يبنيه الجميع بمبادرات أهله ومحبتهم وعطائهم الواسع.

بشار الحجلي

آخر الأخبار
وزير الطوارئ يتفقد مواقع الحرائق ويشيد بجهود الفرق الميدانية   500 سلة إغاثية لمتضرري الحرائق باللاذقية  السويداء على فوهة البندقية.. سلاح بلا رقيب ومجتمع في خطر  دمشق وأبو ظبي  .. مسار ناضج من التعاون الثنائي الحرائق تتمدد نحو محمية غابات الفرنلق.. وفرق الإطفاء تبذل جهوداً جبارة لإخمادها امتحانات البكالوريا بين فخ التوقعات والاجتهاد الحقيقي "لمسة شفا" تقدّم خدماتها الصحية والأدوية مجاناً بدرعا مشاريع خدمية بالقنيطرة لرفع كفاءة شبكة الطرق تطويرالمهارات الإدارية وتعزيز الأداء المهني بعد تدخل أردني وتركي..الأمم المتحدة تدعو لدعم دولي عاجل لإخماد حرائق اللاذقية متابعة التحضيرات النهائية لانطلاق امتحانات "الثانوية" في ريف دمشق الخبير قوشجي لـ"الثورة": الأمن السيبراني أساس متين في التوجه نحو الاقتصاد الذكي "التربية" تتابع تصحيح أوراق الامتحانات في إدلب هل نستعد؟.. مهن ستنقرض في سوريا بسبب التكنولوجيا خطوة نحو إنجاز المشاريع.. نمذجة معلومات البناء وتطبيق التكنولوجيا الرقمية باراك: العالم كله يدعم سوريا رفع العقوبات وانعكاسه على مستقبل قطاع الطاقة في سوريا سحب مياه معدنية غير صالحة للاستهلاك من أسواق دير الزور الحرائق في سوريا ترسم صورة نادرة لتفاني رجال الإطفاء والدفاع المدني إعادة إعمار سوريا.. تحديات هائلة تعوق الانطلاق خبير عقاري لـ"الثورة" تكاليف فلكية إلى جانب غياب قنوا...