الملحق الثقافي- لينــا كيـــلاني :
الحلم هو توق النفس الإنسانية لما هو أبعد من الواقع، والأدب، ومعه الفن هما ما يجعلان هذا الحلم حقيقة، وعنصراً إيجابياً يثري الحياة. ولو اعتبرنا أن الأدب بأجناسه المختلفة من شعر، ومسرح، وقصة، ورواية، ومعه الفن كذلك بمجالاته المختلفة من رسم، وتمثيل، وغناء، ورقص، وبنوافذه المتعددة من سينما، وتلفزيون، وخشبة مسرح، وشاشات ذكية.. أقول لو اعتبرنا أن كل ذلك وحدةً واحدة عندئذ أستطيع أن أقول إن الفن، والأدب هما ما يعطيان المعنى، والتعليل لكل ما هو من حقائق الحياة، ومشاهداتها.. فكم من حلم للبشرية قاده الخيال الذي تفتَّح من خلال الأدب، والفن.
ولو توقفت عند سؤال: كيف نقرِّب الحلم من الواقع؟.. لقلت إن: هذه المهمة يجب أن تأخذ منطق العصر الذي تولد فيه.. مَنْ منا كان يتصور أن أحلام البشرية الأولى في الطيران، واختراق المسافات، والحواجز سوف تصبح حقيقة، وقد كانت حبراً على ورق؟.. وها قد أصبح لدينا ما تجاوز الحلم الأول من طائرات تقطع المسافات، وصواريخ، وسفن تقتحم الفضاء وهي تتجاوز الآفاق.. وها قد أصبح لدينا أيضاً قنوات فضائية تبث الأحداث حتى وهي تجري في مكانها البعيد عنا من العالم لنشاهده كما لو أننا ضمن الحدث ذاته.. كل ذلك عزز من آفاق الفن، وزاد من تأثير الكلمة وهي تصل عبر الوسائل الحديثة.. والهاتف أيضاً بتقنياته التي جعلته مرئياً ألم يحقق هو الآخر حلماً للبشرية؟
ليست المخترعات، وآفاق العلم بعيدة عن الحلم، والخيال، بل إنها تأتي من خلالهما.. والإنسان بتفوقه يرفض أن يقف أمام الحياة وكأنها لغز محير، فكان الأدب مفتاحاً لأبواب السؤال بدءاً من الفلسفة، والعلاقة بالإله، وليس انتهاءً بما ينفتح من أسئلة وجودية، وحياتية مُعاشة.. والأدب في هذا السياق لا يعدم وسائله في فك رموزها، وأسرارها.. والفن أيضاً هو الذي يخلق تلك المصالحة الرائعة بين عوالم النفس، والعالم الخارجي، وبين الروح، والمادة.
إن إنسان اليوم ليس هو إنسان الأمس ونحن في كل قرن من الزمن نقطع أشواطاً في تطور العقل البشري.. والأدب اليوم أصبح ضرورة لا ترفاً بعد أن تطورت المفاهيم، وتبدلت، وبعد أن تعقدت الحياة المعاصرة، وقد فرضت بدورها تبدلاً معيناً في مضمون هذا الأدب ليفتح نوافذ جديدة للسؤال يتبعها اقتناص الجواب. والفن هذا الذي يهذب النفس أليس من مهامه أيضاً الإمتاع والتشويق؟ بل إنه يفعل، وهو يتطور مع بيئاته، وما تتيحه له التقنيات الحديثة.. وكذلك يفعل الأدب في تطوير الفكر، والقيم، وبلورة القدرات الإبداعية، وتحويل الدهشة، والسؤال إلى فضول حتى ولو كان علمياً، والتغيير من طريقة مخاطبة العقل حسب معطيات العصر. ويظل كل من الأدب، والفن ضرورة في توثيق الأحداث المفصلية التي تمر بالأمم والشعوب. ودون أن ننسى أنهما يفعلان فعلهما في الوقت ذاته أيضاً في الحِراك المجتمعي، والآخر السياسي.
لطالما كانت الجماليات الأدبية، والفنية هي الأقرب إلى النفس البشرية إذ إنها تظل أفضل سبيل لإدخال المرء ضمن دائرة المعرفة الحقيقية، وجعل الفكرة أكثر قدرة على التعبير.
لقد أصبح من الضروري في هذا العصر مخاطبة القناعات قبل الإلهاء بحلم لا يلقي بأجنحته فوق أرض الواقع.. فكما أن الخيال هو المادة الأساسية للكاتب، وللفنان فهو الغاية ذاتها بالنسبة للمتلقي بشرط أن يصل إلى غاياته في المعرفة، والتطور.
والخيال بحد ذاته متعة، وهبة إلهية تتجلى من خلال الفن، وبين حروف الكلمات.
العدد 1115 – 11- 10-2022