الملحق الثقافي:
تعقد الندوات البحثية كلّ عام في نهاية شهر أيلول بمناسبة اليوم العالمي للترجمة وقد كانت وزارة الثقافة السورية قد عقدت هذه الندوة نهاية الشهر الماضي وخلصت إلى توصيات كثيرة ، ومن مصر أيضاً حيث النشاط الترجمي المهم يمكن الوقوف على القضايا نفسها والحديث عما يعانيه المترجم العربي.
و مازالت صناعة الترجمة فى مصر والبلاد العربية فى حالة تأخر وقصور شديدة، وعاجزة عن نقل الكثير من المعارف، والآداب من وإلى العربية.
الدكتورة كرمة سامى مدير المركز القومى للترجمة تقول في حوار أجري معها ونشرته جريدة أخبار الأدب :
بالنسبة لمن يريد العمل بالترجمة فعليه مبدئياً التدريب الشاق بشكّل شخصي وطلب المساعدة من محترفي الترجمة لأنه لا توجد أي مؤسسة تهتم برعاية المترجمين أو تدريبهم، ثم عليه أن يقبل بالفتات الذي تجود به عليه مكاتب الترجمة التى عادة ما تستغل كونه حديث التخرج ودون خبرة وفي الغالب لا يحصل على مقابل مادي لأولى تجاربه في الترجمة مقابل التعلم، وحتى بالنسبة لمن يستطيع الصمود عدة سنوات أخرى يكون قد اكتسب فيها قدراً جيداً من الخبرة، يظل العائد المادي من الترجمة زهيداً للغاية ولا يمكن لأحد أن يعتمد عليه كمصدر وحيد للدخل، بل ليس كافياً لإقناع الكثير من الأسر للقبول به زوجاً لإحدى بناتهم.
مما سبق يتضح أن عدم وجود مؤسسة ترعى المترجمين عموماً أو حتى تقدّم تدريباً لمبتدئيهم، علاوة على ضعف المردود المادي بالنسبة لمن يستطيعون الصمود بضعة سنوات أخرى، كلّها أسباب تؤدي إلى هجر مهنة الترجمة مبكراً. تجدر الملاحظة أننى في هذا الجزء أتحدث عمن أرادوا العمل بشكّل حرّ من خلال مكاتب الترجمة المنتشرة والتي لا تخرج المواد التي تتطلب ترجمتها عن شهادات الميلاد والزواج والطلاق ليقدّمها أصحابها في الغالب للسفارات الأجنبية طلباً لـتأشيرات السفر والتى لا تقدّم خبرات كبيرة للمترجمين.
لا شك في أن انتشار وسائل الاتصال والانترنت حديثاً سهل من إمكانية إيجاد عمل للمترجمين خارج حدود أوطانهم حيث تكون الأسعار أكثر عدلاً من الداخل ولكن تظل محدودية الفرص هي أكبر العوائق أمام من يريد الاستمرار في هذه المهنة.للتغلب على مشكلة الحقوق يلجأ الكثير من المترجمين الجدد لترجمة نصوص قديمة تكون حقوقها قد سقطت بالتقادم وأصبحت ملكية عامة والتي تصل إلى خمسين عاماً بعد وفاة كاتبها، علماً بأن هذه النسبة قد تزيد في بعض البلدان مثل إسبانيا التى تصل فيها إلى 80 سنة. هنا تبرز بعض المعضلات منها عدم وجود نص جيد لأن النصوص الجيدة والمشهورة تكون قد تُرجمت في الغالب. المشكلة الثانية: هي كيفية الحصول على العمل في حال التأكد من عدم ترجمته من قبل وصلاحيته للترجمة، وفي حالة عدم وجود نسخة بصيغة PDF متاحة على الإنترنت أو حتى إمكانية شرائها من بعض المواقع مثل أمازون فلربما توجب على المترجم أن ينسى الموضوع برمته. ثم تأتى مشكلة صعوبة اللغة، فترجمة نص مرّعليه ثمانون عاماً بالنسبة لمترجم مبتدئ يظل أمراً شاقاً لما ينطوى عليه الأمر من تقادم استخدام بعض المفردات والصيغ ومع ذلك فهذا الأمر بالنسبة لعاشقي الترجمة يظل أيسر المشاكل.
توجد بمصر الآن الكثير من دور النشر الخاصة التي تعنى بالترجمة ،ولديها متخصصين يقومون بإنهاء هذه المشكلة ولكن في المقابل يبخسون المترجم حقّه بل في كثير من الحالات لا يحصل المترجم على أي عائد مادي خاصة أصحاب التجارب الأولى والذين فقط يكتفون بتلك المتعة السحرية التي يشعرون بها عندما يرون أسماءهم كمترجمين مطبوعة على العمل المترجم.
أمام هذا التوجه الذي تمارسه دور النشر الخاصة يهرع المترجمون للمؤسسات الحكومية التي تعنى بالترجمة مثل المركز القومي للترجمة وسلسلة الجوائز التي تصدر عن الهيئة العامة للكتاب.
-يشعر الكثير من المترجمين الشباب بأن هذه المؤسسات أصبحت نوادي شبه مغلقة على أسماء بعينها سواء من داخل الحقل الجامعي أو خارجه والذين نشعر بعد قراءة أعمالهم أنهم لم يكونوا أفضل الاختيارات.
-اقتصار الترجمات على موضوعات بعينها وعدم التنوع في الاختيارات وأبرز مثال على ذلك هو كم الكتب التي تُرجمت عن الموريسكيين وطرد المسلمين من إسبانيا عموماً.
-الروتين الحكومي الذي يتسبب في تأخيرعمليات الطباعة والنشر.
-ضعف العائد المادي وبالتالي لا يمثل حافزاً للمترجم للاستمرار لاحقاً.
يتبقى أمران هامان قبل أن أنهي هذا المقال، الأول هو ضرورة إيجاد آلية للربط بين البلاد العربية فيما يخص الترجمة ففي كثير من الأحيان وبعد الكثير من البحث عن عمل يصلح للترجمة يكتشف المترجم أن العمل قد تُرجم في بعض البلاد العربية الأخرى ويأتى ذلك بالمصادفة البحتة لعدم وجود أرشيف للأعمال المترجمة إلى العربية، وأرشح جامعة الدول العربية للقيام بهذا الدور.
الأمر الأخير هو ما لفت إليه الأديب الكبير الأستاذ إبراهيم عبد المجيد في إحدى مقالاته البديعة فى أخبار الأديب عن ضرورة الاهتمام بترجمة الأدب المصرى والعربى عموماً إلى اللغات الأخرى، فالعالم يعرف الكثير عن ماضينا وواقعنا.
العدد 1115 – 11- 10-2022