الثورة – أديب مخزوم:
عز الدين همت من الفنانين الراحلين الذين تم تكريمهم، ضمن احتفالية ( أيام الفن التشكيلي السوري ) في 10/10/ 2022 تقديراً لدوره الطليعي والريادي في مجال إنتاج اللوحة الفنية وعرضها. وتشكل لوحاته (التي قدمها منذ مطلع الستينيات، في معارض جماعية رسمية وخاصة) عودة لجمالية العمارة الدمشقية القديمة والطبيعة الخلوية والأجواء الريفية والعناصر الأخرى، التي كان يحولها إلى علاقات خطية ولونية موزونة ومنضبطة، حيث كان يتجه لإظهار دقة التفاصيل في فضاء المشهد المعماري والخلوي. مكثفاً بشكل لافت عناصر اللوحة الواقعية في تنقلاتها وتحولاتها بين الدقة والعفوية الملطفة، كل ذلك بصياغة متوازنة، تتوافق مع التأليف العام للوحة الواقعية التي حملت بصمته الخاصة.
وبالرغم من أن الفنان الراحل عز الدين همت، أقام أربعة معارض فردية في دمشق بين عامي ١٩٧٣ و١٩٩٨، وكان يشارك في العديد من المعارض الرسمية منذ عام ١٩٥٩ فقد رحل عام 2020 بصمت، وبتعتيم إعلامي مخجل، حتى أنه لم يأخذ حقه على صفحات التواصل، ربما لأن النقاد والفنانين ينظرون إليه على أنه فنان تقليدي أو تسجيلي، وهذه مغالطة كبيرة، لأنه كان يقدم الأحياء الدمشقية والطبيعة والمشاهد الأخرى، بصياغة واقعية خاصة به، أي أنها ليست بعيدة عن مشاعره وأحاسيسه الخاصة.
وهذا يعني أنه لم يكن يساير متطلبات السوق الاستهلاكي التجاري، وبالتالي لم يكن يقدم تنازلات فنية، لاسيما وأن لوحاته مرسومة بأسلوب واقعي يتطلب المزيد من الجهد والوقت والجلد، كونه يجسد أدق التفاصيل، ويرسم أمكنة حميمية موجودة في الواقع، وهكذا ساهم في التعريف بخصوصية الأحياء الدمشقية القديمة، التي عرفها في طفولته وفتوته ولم ينقطع عنها في كل مراحله الفنية والحياتية.
واللوحة الواقعية الدمشقية التي قدمها هي لوحة توثيقية بامتياز، لأنها حافظت على مشاهد وأماكن غابت أو تكاد، بخلاف اللوحة الحديثة، التي تتخطى المشهد التوثيقي، وتطرح مفاهيم جمالية وتعبيرية بعيدة عن المشهد الواقعي، ولهذا تبقى لوحاته شاهدة على خصوصية وأصالة التراث المعماري الدمشقي، الذي جسده بحب وعشق مزمن، هو ابن مدينة دمشق، حيث ولد فيها عام ١٩٣٨، وحيازته عام ١٩٦٢-١٩٦٣ على إجازة الحقوق، لم يحد من رغبته الدائمة في الإنتاج والعرض، والتفرغ بعد ذلك للعمل الفني.
وفي صياغة عناصر المشهد المعماري، وعناصر الطبيعة الخلوية، والأشكال الأخرى، أضفى تقنية خاصة به، على حركة الخطوط والألوان، هي حصيلة عمر من الاختبار المتواصل على الصعيدين التكويني والتلويني.
ولا يعني ذلك أن النمطية البارزة في عدد من الأعمال لم تخرج في لوحات أخرى عن هذا الإطار ، وخاصة التي عالج فيها مشاهد وموضوعات أخرى، فهو في عدد من لوحاته سعى لإبراز تعاطفه مع الاتجاه العفوي المنضبط، الذي غالباً ما يرتكز على اللمسة اللونية المدروسة، في تكوين الجو العام للوحة، وتقديم مساحات لونية مرتبطة بثقافته ومشاهداته وتطلعاته.