ليست مجرد سهوة بسيطة ألا يكون لدينا رقم إحصائي دقيق أو حتى قريب نسبيا من الدقة، ولايجوز أن يعترف المسؤول التنفيذي بأن لا إحصاءات دقيقة لدينا يمكن الركون إليها في اتخاذ القرار المناسب.
لدينا دوائر إحصاء وتخطيط في كل وزارة، ولدينا مكتب مركزي للإحصاء.. لكن كل هذا لم ينفع في درء تراشق الأرقام والسجالات المفتوحة على وسائل التواصل الاجتماعي، لتنشغل الدوائر الرسمية بالرد والنفي والتكذيب، لكن دون أن تخرج بأرقام تلزم كل هواة التشويش الإحصائي بالصمت.. فعلا إنها مشكلة حقيقية.
حتى البصارات وضاربات الودع وقارئات الفنجان بات لهن حضور لافت في الأوساط الاجتماعية وخصوصا في طبقة المترفين.. وكادت هراءاتهن تتحول إلى رقم إحصائي، فيما المخولون إنتاج الأرقام والمعطيات صامتون أو خجولون..!!
بعض الوزارات دفعت بأرقام خاطئة أدت إلى قرارات خاطئة اتخذتها اللجان المركزية في رئاسة مجلس الوزراء واضطرت لاحقا للعودة عنها، وهذا ليس في صالح مصداقية القرار.
وطيلة سنوات الحرب على بلدنا وحتى اليوم، ثمة مكنة خفية لإنتاج وتوزيع الأرقام، أثارت الكثير من الإحباط في النفوس ووجهت إساءات مباشرة لسمعة البلد.. نسب الانحراف السلوكي لدى النساء بسبب الفقر.. نسب الجريمة.. التشرد.. خط الفقر الأدنى.. البطالة.. احتياجات.. الإنفاق الأسري.. وسلسلة طويلة من العناوين المؤثرة بقوة في أي مجتمع أو دولة.. وكان مثيرا للأسف أننا لم نسمع عن جهة رسمية خرجت لتتصدى لهجوم الأرقام والمعطيات علينا والذي يوازي بخطره الهجوم بالأسلحة والعتاد..
صمت المكتب المركزي للإحصاء طيلة سنوات الأزمة ومازال صامتا، رغم أن أمامه الكثير مما عليه فعله في إطار عمله التقليدي، وغير التقليدي بما أنه مؤسسة يجب أن تستنفر كما كل مؤسسات الدولة في مثل هذه الظروف.
من قال إن مهمة المكتب المركزي للإحصاء هي التعداد السكاني وإحصاء المساكن والمنشآت فقط؟
وهل يبقى المكتب – كمؤسسة – بكوادره عاطلا عن العمل إن كانت الظروف القاهرة قد حالت دون إجراء إحصاءات ومسوحات شاملة.. أين المجموعة الإحصائية التي توقف إصدارها من العام ٢٠١٠ ؟
ربما علينا أن نتفاءل بالإدارة الجديدة للمكتب.. وننتظر منها أرقاما شافية ووافية حول الكثير من القضايا التي هي مثار جدل اليوم… متوسط الدخل الحقيقي بناء على مسح واقعي وليس بناء على بند الرواتب والأجور في الموازنة العامة.. متوسط الإنفاق اللازم للأسرة السورية.. مصادر الدخل غير الظاهرة للأسر.. حصة فرص العمل الهامشية في سوق العمل.. والكثير من التساؤلات المعلقة بانتظار رقم رسمي.. حان الوقت لنسمع صوت المكتب المركزي للإحصاء، فأي رقم سيصدره أو أي تقرير سيكون حدثا بحد ذاته، لأنه يعني حلقة تعاف جديدة.. وأن مؤسسة بالغة الحساسية عادت للعمل بعد سبات طويل ولها القول الفصل.
نهى علي