بين الميداني والأكاديمي، وبين النظري والعملي، كما بين الخبرة والنظرية، كلها متناقضات قد يجمعها خيط واحد هو مؤسساتنا العامة التي تتفاوت مستويات أداء الإدارات فيها، وتتنوع الآراء بين من يقول بأن العلم الجامعي يحدث نقلة، وبين من يقارن مستوى المؤسسات ومرونة عملها بما قبل العلم الجامعي.
بين الأستاذ الجامعي حامل المعلومات والنظريات العلمية، وبين صاحب الخبرة ابن المؤسسة ذي العمل الميداني العارف بكافة تفاصيل العمل التنفيذي الذي يبقى حجر الزاوية في كل عمل، تنهض هذه المفارقة مع كل إدارة يشغر منصب مديرها، حيث تختلف الترشيحات وتتنوع، وكل منها يعد بواقع أفضل للمؤسسة الشاغرة تبعاً لإيجابيات علم الجامعة أو الخبرة المتراكمة عبر سنين.
واقع الحال وفي مجموعة متنوعة من المؤسسات العامة يعكس النتائج، فالأستاذ الجامعي يقضي في غالبية الأحيان السنة الأولى من تكليفه بأي عمل تنفيذي في تعلم هذا العمل ومعرفة مداخله ومخارجه، ناهيك عن متابعة كل التفاصيل ليصل إلى مرحلة المعرفة التي يمتلكها ابن المؤسسة ذاتها وبالتراكم، وفي نفس الوقت فخبرة أبناء المؤسسة هي الهادي للمدير العام الجامعي أو أياً كان في معرفة كيفية سير العمل ليقوم بتقييمه ووضع خطة تتناسب مع واقع الحال، أي أن العود أحمد إلى خبرة المؤسسة ذاتها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه المعادلة لا تنسحب على عمل الوزير لكون الوزير منصباً إشرافياً تجاه الجهات التابعة التنفيذية ضمن نطاق الوزارة.
رب قائل بأن الأستاذ الجامعي أوسع أفقاً وأقدر على اجتراح الحلول وهو أمر منطقي في المؤسسات غير الخدمية، أما في الخدمية منها فنزيف الكوادر لفقدان الفرصة يشكل عبئاً رهيباً وخسارة لا تعوض من الكفاءات التي تبحث عن فرص أفضل لدى القطاع الخاص وبعضها بالهجرة، ليُلقى عبء جديد على الإدارة في البحث عن كوادر، ما يعني تحييد جزء مهم من الجهد والوقت لهذه الغاية، ولعل المتابع لمؤسساتنا العامة التي يتولاها أستاذ جامعي يلحظ في غالبية التوضيحات بشأن المشكلات التنفيذية أن نقص الكوادر هو السبب الذي يتحدثون عنه.
لعل مجالس الإدارات هي الحل الوحيد لتكامل الأدوار والنهوض بالمؤسسات العامة ولا سيما الخدمية منها، بحيث يكون الدور الإشرافي والتخطيط منوط بمجلس الإدارة الذي يتولاه أستاذ جامعي، في حين يكون العمل التنفيذي اليومي دور أصحاب الخبرة من أبناء المؤسسات العاملين فيها.
هي تجربة يمكن تطبيقها في بعض المؤسسات وتقييمها بعد شريحة زمنية محددة، أسوة بما تم من تجربة إدخال الأساتذة الجامعيين في الأعمال التنفيذية.