الثورة – لميس علي:
كم يحمل الكتمان تكثيفاً للمشاعر..؟
لا يمتلئ فيلم (في مزاج الحبّ) بحالة الحبّ الصامت وحسب، فثمة سيلٌ هائل من الحالات الإنسانية والعاطفية التي تفيض به..
إلا أن هناك مفارقة ذكية اشتغل عليها مخرج العمل “ونغ كار واي”..
فمع تصاعد تلك الحالات الشعورية المكثفة، تسير الأحداث بهدوء وبطء يُثقل أحياناً كثيرة على المتابع..
وللدقة، معظم الوقت في العمل ليس من فعل حقيقي يمثّل الحبكة أو ذروة الأحداث.
الكاميرا ضمن “في مزاج الحبّ” ترصد تفاصيل الحياة اليومية لكل من السيد (تشاو) والسيدة (تشان) اللذين تشاء الصدفة أن يصبحا جارين في فندق صغير.. وتتشابه ظروف كل منهما في جزئية انتظار الشريك “الزوج/الزوجة” المسافر غالباً..
بالإضافة إلى قاسم مشترك بينهما، يبدو أنه جعلهما يتقاربان نفسياً أكثر، هو فكرة (الخيانة)..
كلاهما يتعايش مع خيانة الآخر له لكنهما يرفضان أن تكون ردّة فعلهما هي من جنس فعل الشريك أي الخيانة أيضاً..
لهذا سيكون خيارهما عيش مشاعر صامتة، هكذا تنشأ فجأة دون أن يُخططا لها.. تنمو وتكبر خلال صدف لقاءاتهما، على سلالم الفندق الضيقة، في محل بيع الطعام، في الشارع أثناء المطر..
يزحف الحبّ إليهما على مهلٍ.. ودون عجلة.
وكأنما ينشغل العمل، أثناء كل حركة وكل فعل يقوم به أحد البطلين، بتظهير الحب الرومانسي، كيف كان فترة ستينيات القرن الماضي..
زمنياً، يعود الفيلم لتلك الفترة.. بينما مكانياً، يصوّر حكايته في هونغ كونغ.
تلك الصيغة العامة التي يقدّمها المخرج (زماناً ومكاناً)، تبدو متكاملة.. وستُنشئ شخصياتٍ تنتمي إليها وتطرّز الحبّ على مقاس زمانها ومكانها.
لعبة (الزمان والمكان) تتقاسم البطولة مع الممثلين (توني ليونغ، ماغي تشيونغ) اللذين أدّيا دور البطلين..
مع أن الأمر، ظاهرياً، يكرّس عنصر الزمن أكثر، بمعنى حالة احتفال الفيلم بالحبّ أيام زمان، الحب الرومانسي بما فيه من كلاسيكية تبقى الغاية المباشرة التي أراد المخرج (ونغ كار واي) تخليدها وفق صيغته البصرية التي تكاملت مع هيئة (بطل/بطلة) كلاسيكية هي الأخرى بكل مقاييس الجمال والحبّ الذي كان..
الحبّ الذي لن يعود.. كما أكدّت على ذلك آخر عبارات الفيلم.. لاسيما أن النهاية كانت تصويراً لأحد المعابد القديمة، أي لهيئة أثرية.. وكأنها إيماءة إلى أن حبّ أيام زمان بات متحفياً أو أثرياً.. الحبّ الرومانسي بطريقته الكلاسيكية لن يعود أمام كل هذا المدّ الطاغي لزمن التواصل السريع والآني.
عُرض (في مزاج الحبّ) ضمن فعالية “بيت السينما، الكندي” دمشق، بإشراف كل من المخرج فراس محمد ورامي نضال.
التالي