الثورة – حسين صقر:
تعتبر الشائعة واحدة من أقوى أساليب وأدوات الفوضى، وتستخدم في الحروب النفسية للنيل من عزيمة الأشخاص والأوطان، ولا يقتصر دورها على الدول، بل تندرج على الأفراد، فهي كما تُمارسها الدول على بعضها، أيضاً يستخدمها الأفراد للنيل من بعضهم اقتصادياً وصحياً واجتماعياً وثقافياً.
والشائعات لا تمتلك عصاً سحرية للتأثير، بل كانت هناك عوامل كثيرة مساعدة تسبب في سريانها كالنار في الهشيم، أهم تلك العوامل جميع مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة لوسائل الإعلام التجارية والصفراء، والتي لايهمها سوى جني الأرباح مقابل العمالة لجهة ما.
بالطبع ليس كل وسائل الإعلام والتواصل، بل بعضها لعب دوراً قذراً ومشبوهاً خلال الحرب العدوانية على سورية، سواء فيما يخص الدولة أم الحكومة أم المسؤولين في المفاصل العامة والخاصة، وهو ما يؤكد مرة أخرى بأن الشائعات عبارة عن أخبار ملفقة تتولد من نقاش جماعي ينشأ من رحم الواقع، كلما أراد الناس فهم بعض المواقف، ولم تلق تلك المواقف أو الظواهر إجابات رسمية ترضي فضولها، وهذا ما يجعل من الشائعة بمثابة السوق السوداء للمعلومات، تبدأ بالترويج لخبر كاذب يتعلق بحدث ما لخدمة أهداف صاحب الدعاية، كالنيل من خصم أو محاربة شائعة أخرى.
وبسبب الجهل وضعف حس النقد والغموض الذي يكتنف مشكلة ما يشكل ذلك الغموض وعدم الفهم بيئة خصبة لانتشار الشائعة وسريانها داخل المجتمع، لأنها أصلاً ليست ساكنة أو ثابتة دائماً، حيث تخضع أثناء نقلها من فرد لآخر للتغيير والتبديل والحذف والإضافة طبقاً لدوافعه المكبوتة وآماله المرجوة.
وفي هذا السياق يقول الدكتور حسن زراعي المختص في العلوم النفسية والسلوكية إن الدوافع البشرية من حب وكراهية وعدوان وحقد وقلق وتوجس تدفع الفرد وتغريه بترديد الشائعة ونشرها حتى ينفس من خلالها بما ينوء به صدره، فمثلاً نجد الشخص العدواني يركز على الأخبار السيئة عند نقله للشائعة حتى يرضي نزعات العدوان والتشفي بداخله، لأن الشائعة من وجهة نظره تتيح له نوعاً من التفريغ والإسقاط النفسي، فتراه يطلق أخباراً من ذاته وقد يبثها لطرف يكون على تواصل مباشر معه، ويردد: الناس يقولون عنك كذا، حتى يزرع بداخله الشك والريبة ويؤسس لبدء الانطلاق بشائعته تلك.
الجيد في الأمر أن الشائعة سرعان ما تختفي لمجرد شائعة أخرى عن موقف وأشخاص مختلفين، فيبدأ العامة بتناقل الأخبار الأكثر حداثة، وهو ما يؤكد أن الخبر الذي تم نشره مسبقاً كان كاذباً وملفقاً، ولم يأت أحد على ذكره، وذلك لمجرد ظهور خير آخر.
وأضاف زراعي الحذر كل الحذر من الشائعات، ولهذا يجب علينا جميعاً ألا نتناقل خبراً لا نعرف مصادره الموثوقة، لأن نقله وتعميمه يشكل خطراً على المجتمع وعواقب كارثية لا تحمد عقباها، ولاسيما في ظل تقنيات التواصل والإرسال السريع، فحتى نكذب الخبر نحتاج لأيام وربما شهور، لكن نشره لا يحتاج إلا لرمشة عين حتى يسري بين الناس ولا نعود نستطيع أن نسيطر عليه وعلى ردات الفعل المترتبة عن بثه.