ظافر أحمد أحمد:
بدأت أصوات أوروبية رسمية رفيعة المستوى تتحدث عن المعايير المزدوجة الأميركية تجاه سوق الطاقة الأوروبية، وأبرزها أصوات فرنسية وألمانية.
فالغاز الأميركي يتمّ تأمينه للسوق الأوروبية بما يعادل أربعة أضعاف تأمينه للسوق الأميركية، وهذا يوضح حجم التداعيات الكارثية على تكاليف السلع والتصنيع والخدمات الأوروبية المرتبطة بالغاز، بينما تصبح المنافسة محسومة لصالح القطاع الصناعي الأميركي، ولصالح الاقتصاد الأميركي الذي بدأ يستقطب عملية هروب رؤوس الأموال من أوروبا.
التصريح الأوضح جاء فرنسياً على لسان وزير اقتصادها وماليتها: “الصراع في أوكرانيا يجب ألا ينتهي بالهيمنة الاقتصادية الأمريكية وإضعاف الاتحاد الأوروبي”.
الأصوات الشعبية التي تجسدت في تظاهرات شهدتها دول أوروبية أبرزها فرنسا وبريطانيا وألمانيا..، لم تضع يدها على الجرح تماماً ولم توجه اتهامات مباشرة لسياسة واشنطن في إضعاف الاتحاد الأوروبي، لكنها عبرت عن سخطها من سياسة (دولها وحلف ناتو) تجاه العقوبات على روسيا وتأجيج الحرب الأوكرانية، والدعم العسكري لأوكرانيا.
تكفلت السياسة الأميركية بتأجيج أسعار الطاقة عالمياً ولكن المنظومة السياسية والإعلامية الأميركية لديها ضخ هائل من النفاق يتيح لها التغطية على الويلات التي تسببها واشنطن للأسوق العالمية، فتحمّل موسكو مسؤولية الإضرار بالاقتصاد العالمي وليس العقوبات على موسكو، وتحتج على قرار أوبك بلاس بخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً وبأنّه يتسبب برفع الأسعار في ذات الوقت التي تزيد من تسويقها لغازها المسال إلى أوروبة بأربعة أضعاف سعر الغاز الروسي، كما ألقت بثقلها لمحاولة إلزام دول العالم بتحديد سقف لأسعار النفط الروسي كمفخخة كبرى توضع في الاقتصاد العالمي وتهدد بتأثيراتها شتى اقتصادات الدول التي تئن من فواتير وأعباء وسبل تأمين الطاقة.
اقتصادات الدول الأوروبية الكبرى مهددة بالدخول في مرحلة الإفلاس وارتباطاً بالضغوط الكبيرة على المستوى المعيشي في شتى دول الاتحاد الأوروبي بدأت تتظهر أزمات الحكم وأزمات سياسية تبلور معها صعود تيارات تسمى اليمين المتطرف.
الإضعاف الأميركي للاتحاد الأوروبي لم يعد مجرد محاولة بل بدأ يتوضح بنتائج عملية وبدأ مسؤولون أوروبيون يتحدثون عنه بشكل صريح..، ولكن ما زال الرفض الأوروبي للمخطط الأميركي مجرد فرضية فالواضح حتى الآن (الخنوع الأوروبي) لإملاءات واشنطن..، وعندما تتحول هذه الفرضية إلى واقع عملي تبدأ بوادر الحل للحرب الأوكرانية..، والموضوع يرتبط بمدى فاعلية الأصوات العاقلة التي يهمها الاستقرار الاقتصادي العالمي والتي عليها مسؤولية الترحيب بعودة نعمة الغاز الروسي والقول في وجه الغاز الأميركي المكلف المتدفق إلى أوروبا: لا.. إذا لم يحدث ذلك فالحرب الأوكرانية مستمرة ووقودها الأساسي يستنزف أوكرانيا والاستقرار الأوروبي.