يستطيع المتابع للعديد من وسائل الإعلام العربية والخليجية تحديداً أن يلاحظ أنها تحولت خلال العقد الأخير إلى ناطق رسمي باسم كيان الاحتلال الإسرائيلي، فهي تروّج روايته ورؤيته لكل تفاصيل ما يجري في المنطقة، ما يطرح تساؤلاً جدياً حول دور ومرجعية تلك الوسائل الإعلامية هل هي عربية أم غربية!!
قبل العام 2011 كان المتابع العربي يتساءل ما سر فتح بعض القنوات العربية فضائها وإعطائها مساحة واسعة لمتحدثي الاحتلال الإسرائيلي والناطقين باسمه للرد على الرواية العربية فيما يخص الصراع العربي- الإسرائيلي وحيثياته، بعد أن كانت ناقلاً حياً لكل ما يتعلق بعمليات المقاومة ونضالات الشعب الفلسطيني واللبناني ضد هذا الكيان السرطاني.
وكانت ذريعة تلك القنوات آنذاك أنها تضع المشاهد العربي في الرأي والرأي الآخر، وكأن المشاهد العربي ينقصه سماع رواية قاتله وجلاده ومن يحتل أرضه وحقوقه، وكأن هذا الشعب لا يعلم رواية الاحتلال وممارساته التي يقاسي منها يومياً قتلاً وسجناً وتهجيراً!!
وما إن جاءت حمى ما أطلق عليه زوراً “الربيع العربي” حتى تكشفت خلفية تلك القنوات ومعها العديد من وسائل الإعلام الأخرى من صحف ومواقع إخبارية، وانكشفت مرجعياتها والدور المرسوم لها، فهي لم تكن تتبنى نظرية الرأي والرأي الآخر بقدر ما كانت تمهد للانقلاب والتموضع في خندق مرجعياتها (الأعداء) بعد أن اكتسبت متابعة معتبرة لدى الجمهور العربي.
اليوم نرى أن وسائل الإعلام هذه تنقل الرواية الإسرائيلية وتتبناها بالتحليل والترويج وتكاد تسبق الإعلام الإسرائيلي في مهمته، ففي هذا الإعلام جميع الاعتداءات الإسرائيلية ضد سورية وشعبها هي “عمليات وضربات جوية إسرائيلية لمنع التموضع الإيراني في سورية أو استهداف لوكلاء إيران في سورية ومنع تهريب السلاح” إلى قوى المقاومة في لبنان وفلسطين!!.
ومن المؤسف أن هذه الوسائل الإعلامية لا تجد حرجاً في تبنّي الرواية الإسرائيلية دون الالتفات إلى رواية سورية، وتقوم ببناء التحليلات والنظريات ورسم المعادلات استناداً لرواية العدو، وتتسابق في تبرير هذه الاعتداءات ضد شعب شقيق.
هذا الدور الخبيث الذي تلعبه الوسائل الإعلامية كناطق باسم كيان الاحتلال الإسرائيلي انتقل لترويج الرواية الغربية في أوكرانيا وخصوصاً عن “تزويد إيران لروسيا بطائرات مسيّرة” وأن هذه الطائرات تغيّر مسار الحرب لصالح روسيا المتعثرة على الجبهة الأوكرانية!!.
وللأسف تلقى هذه الأخبار والتحليلات رواجاً بين الجمهور العربي بدون أدنى تمحيص أو تدقيق في أهداف الرواية الملفقة التي نفتها كل من موسكو وطهران.. فالهدف ليس الإشادة بقدرات إيران العسكرية وما توصلت إليه الصناعة العسكرية الإيرانية من تطور، وإنما توريط إيران في ساحة صراع جديدة بهدف زيادة حدة المواقف العالمية الرسمية والشعبية ضد طهران التي يصورها هذا الإعلام بأنها تتدخل في هذا الصراع الدولي وتنخرط بشكل مباشر في مواجهة حلف الناتو وللتقليل من قدرات موسكو العسكرية.
إيران لاتخفي قدراتها العسكرية وهي تعلن بشكل دوري عن صناعاتها العسكرية وقدراتها الصاروخية والمسيّرات، وتتحدث رسمياً عن دعمها المعلن لسورية وجيشها ولشعب اليمن ولبنان ومقاومته، ولكنها نفت أن تكون قد زودت موسكو بطائرات مسيّرة.. وموسكو تمتلك من القوة العسكرية التي تمكنها من تصنيع آلاف المسيّرات كما صنعت الصواريخ فرط صوتية وهي تعتمد في تسليحها على صناعتها العسكرية المتطورة التي تصدّرها لعشرات الدول.
لكن هذه الحملة الإعلامية المركزة على دور الطائرات المسيّرة الإيرانية في الحرب الأوكرانية هي جزء من المؤامرة التي تحيكها الدوائر الغربية والإسرائيلية ضد إيران للنيل من سيادتها وضرب الأمن والاستقرار فيها، وهي محاولة لتوريط إيران في ساحة صراع جديدة خدمة للعدو الإسرائيلي الذي يحاول منذ عقود تشويه صورة إيران وتحويلها إلى “فزّاعة” لدول الخليج العربي وشماعة لكل ممارساته العدوانية ضد دول المنطقة وشعوبها، وتبريراً لتهديداته للأمن والاستقرار فيها.
من المؤسف أن يتحول هذا الإعلام إلى ناطق باسم كيان الاحتلال الإسرائيلي ودول حلف الناتو ومروّجاً لسياساتهم العدوانية المسؤولة عن تفريخ الإرهابيين في أفغانستان والعراق وسورية واستخدام هؤلاء الإرهابيين لضرب بنية الدول وزعزعة أمنها واستقرارها والتدخل في شؤونها الداخلية وانتهاك سيادتها واحتلال أراضيها.