قانونياً وإنسانياً.. لا قيمة له

عبد الحليم سعود:
رغم مرور أكثر من قرن على وعد بلفور المشؤوم – تصادف اليوم الذكرى الخامسة بعد المائة لإطلاقه – لازالت التداعيات التي ترتبت على قيامه مستمرة لجهة تغذية المنطقة ببؤر التوتر والإرهاب، إذ لم تنفع كل محاولات “السلام” المبتورة أو عمليات التطبيع الممجوجة بتغيير الوجه العدواني الحاقد لمنتجات هذا الوعد الظالم، إذ ما زال الصهاينة الأوغاد – الذين شعرت بريطانيا بالعطف تجاههم – يعتدون ويقتلون ويشردون ويدنسون ويسرقون الثروات والمياه والأرض ويواصلون انتهاكهم للقانون الدولي غير آبهين بكل القرارات الدولية التي تدينهم أو تدعوهم للامتثال للشرعية الدولية التي تلحظ حقوق الشعب الفلسطيني.. مستفيدين في ذلك من الدعم الهائل الذي يتلقونه من الولايات المتحدة الأميركية وكذلك الصمت والتواطؤ الدولي.
وما زال الصهيوني البغيض الذين أشفقت عليه حكومة بريطانيا “العظمى” يهدد أمن المنطقة والعالم بترسانة نووية ضخمة، وهو مستمر في خلق الصراعات والأزمات والمشكلات لكل دولة أو جهة أو شخص يناصر القضية الفلسطينية ويعترف بحقوق الشعب الفلسطيني.
مع وجود الكيان الصهيوني خنجراً مسموماً في قلب الوطن العربي يظل الأمن والاستقرار والسلام في عموم المنطقة هشاً ومهدداً، وتبقى “إسرائيل” تؤدي دورها الوظيفي كقاعدة متقدمة للصهيونية العالمية والاستعمار الغربي بنجاح، ما يعزز القناعة بأن من أعطى هذا الوعد الباطل للحركة الصهيونية قبل أكثر من مئة عام كان يخطط لحروب وكوارث متلاحقة في منطقتنا، لتأتي أحداث السنوات الأخيرة في العديد من الدول العربية أو ما يسمى “الربيع العربي” ترجمة لأطماع ونيات استعمارية لطالما أضمرتها دول الغرب، وفي مقدمتها بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية التي حلت مكانها في رعاية المشروع الصهيوني، وكذلك التدخل غير المشروع بشؤون المنطقة عبر ضغوط سياسية أو الدفع بقوات احتلال ودعم مرتزقة ومليشيات انفصالية كما هو الحال الآن في الجزيرة السورية.‌‏
ورغم بطلان هذا الوعد المشؤوم من الناحية القانونية والإنسانية باعتباره “وعد من لا يملك لمن لا يستحق”، لا تزال “إسرائيل” تعتبره من أهم المستندات القانونية التي تستند عليها في قيام كيانها، حيث تنصّ الوثيقة على أن:”حق اليهود في الانبعاث القومي في بلدهم اعترف به إعلان بلفور”، وللتأكيد أكثر على حجم المؤامرة التي استهدفت فلسطين منذ بدايات القرن الماضي، ينبغي التذكير بأن هذا الوعد المشؤوم جاء بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات بين الحكومة البريطانية واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية قبل أن يخرج بشكل خطاب موجه من آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا يوم 2 تشرين الثاني عام 1917 إلى اللورد اليهودي المعروف والتر روتشيلد، ومن يتابع سياسة الكيان الصهيوني في السنوات الأخيرة وسلوكه على الأرض من استيطان وتهجير وقمع ومحاولات مستمرة لتصفية القضية الفلسطينية عبر ما بات يعرف بصفقة القرن، سيجد في هذه السياسة تجسيداً دقيقاً للوعد المذكور الذي نص على إنشاء «وطن قومي لليهود» بكل ما يعنيه ذلك من إفراغ فلسطين من أصحابها الشرعيين.
وقد أثبتت السنوات ال74 على قيام الكيان السرطاني في فلسطين أن كل الحكومات الصهيونية حاولت استغلال الظروف والأوضاع التي مرت بها منطقتنا والعالم لتوسيع رقعتها وحدودها، وترسيخ قيام كيانها ليس على أرض فلسطين وحسب.. وإنما على أكبر بقعة من الأرض العربية، من خلال انتهاج سياسة العدوان والاحتلال والاستيطان، حيث لم تكتف فقط بفلسطين التاريخية بل امتدت أطماعها إلى الجولان العربي السوري وشبه جزيرة سيناء المصرية وغور الأردن وجنوب لبنان، ووصلت اعتداءاتها إلى العراق والسودان، كما وصلت أيديها المجرمة إلى بقاع أبعد مستهدفة بالاغتيال كل المناهضين لمشروعها العدواني التوسعي، وهي ما تزال تطمح للمزيد من الهيمنة والتوسع في المنطقة عبر “مشروع التطبيع” حيث بات الخليج العربي ووادي النيل جزءاً من مخططاتها للوصول إلى الشعار المكتوب على باب الكنيست الإسرائيلي “حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل” حيث يعتبر الوجود الأميركي غير الشرعي في سورية والعراق من ضمن أولويات المشروع الصهيوني لتحقيق هذه الغاية ولاسيما أن المليشيات الانفصالية في البلدين على علاقة مشبوهة مع الكيان الصهيوني.

لم يكن اختيار فلسطين من قبل بريطانيا والحركة الصهيونية محض مصادفة، بل كان له أسباب ومبررات تراعي المصالح البريطانية في منطقتنا، وقد ذكرت بعض الوثائق التاريخية أن حاييم وايزمن ــ وهو من أبرز زعماء الحركة الصهيونية ــ حاول إقناع الانكليز بضرورة حماية قناة السويس وذلك عن طريق إرسال مليون يهودي إلى القناة لإقامة مستوطنات حولها، وهذا ما يفسر حرب السويس عام 1956 ضد مصر ــ العدوان الثلاثي ــ بعد تأميم الزعيم جمال عبد الناصر للقناة، ومشاركة كل من فرنسا وبريطانيا إلى جانب الكيان الصهيوني في تلك الحرب العدوانية الفاشلة، كما يفسر تحول “إسرائيل” إلى ترسانة هائلة من الأسلحة التقليدية وغير التقليدية بما فيها النووية والكيماوية والجرثومية، وهي ترسانة محمية بفعل وقوة الفيتو الأميركي والغربي في مجلس الأمن، وذلك من أجل أن تبقى إسرائيل بعبعاً يخيف دول المنطقة وشعوبها ويمنع أي تسوية عادلة في المنطقة، لأن من يملك هذه الترسانة العسكرية وهذه الحماية الدولية لن ينصاع للقرارات الأممية أو للقانون الدولي.‌‏
إن كل ما سبق، يؤكد المسؤولية التاريخية للحكومات البريطانية والغربية عن كل ما ترتب على هذا الوعد المشؤوم، ولذلك يجب أن تتم مقاضاة بريطانيا بالدرجة الأولى عن كل ما لحق بالعرب من أذى وضرر ومعاناة نتيجة إنشاء “دويلة” الإرهاب والإجرام والاحتلال والعدوان والتوسع على أرض فلسطين.

اقرأ في الملف السياسي

105 أعوام.. وفلسطين تقاوم

آخر الأخبار
الجنرال فوتيل يبحث مع وزير الطوارئ جهود التعافي والاستقرار الإعلام السوري في عصر التحوّل الرقمي..يعيد صياغة رسالته بثقة ومصداقية سوريا تفتح صفحة جديدة من التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية سوريا نموذج للسياحة الثقافية في المعرض المتوسطي للسياحة الأثرية بإيطاليا الرئيس الشرع يناقش مع وزارة الداخلية الخطط والبرامج المستقبلية لتعزيز الأمن والاستقرار جدار استنادي لمدخل سوق المدينة في حلب القديمة مصطفى النعيمي: "قسد" رهينة الأجندات الخارجية  مؤيد القبلاوي: انتهاكات "قسد" تقوض اتفاق الـ10 من آذار  القنيطرة تتحدى.. السكان يحرقون مساعدات الاحتلال رداً على تجريف أراضيهم انطلاق الملتقى الحكومي الأول لـ "رؤية دير الزور 2040" الشيباني يعيد عدداً من الدبلوماسيين المنشقين عن النظام البائد إلى العمل ظاهرة جديدة في السوق السورية "من لا يملك دولاراً لا يستطيع الشراء" سرقة الأكبال الهاتفية في اللاذقية تحرم المواطنين من خدمة الاتصالات حقوق أهالي حي جوبر على طاولة المعنيين في محافظة دمشق غزة أرض محروقة.. لماذا قُتل هذا العدد الهائل من الفلسطينيين؟ سيارة إسعاف حديثة وعيادة جراحية لمركز "أم ولد" الصحي بدرعا المفوضية الأوروبية تخصص 80 مليون يورو لدعم اللاجئين السوريين في الأردن تحديات وصعوبات لقطاع الكهرباء بطرطوس.. وجهود مستمرة لتحسينه زيارة الشرع إلى واشنطن إنجاز جديد للسياسة الخارجية السورية بحث تعزيز التدابيرالأمنية في "الشيخ نجار" الصناعية بحلب