105 أعوام.. وفلسطين تقاوم

لميس عودة:
قرن وخمسة أعوام مضوا على وعد بلفور أكبر جريمة تاريخية تآمر فيها الغرب الاستعماري المتصهين على منطقتنا العربية.. يوم أعطت بريطانيا ما لا تملك لمن لا يستحق، ومازالت  للحظة الراهنة نصال المؤامرة ذاتها تغوص عميقاً في جسد دول محور المقاومة التي لم تحرف بوصلة ثوابتها وبقيت قابضة على جمرات مبادئها في وجه مخططات تصفية القضية الفلسطينية وتفتيت وتمزيق منطقتنا خدمة للعدو الصهيوني، فالوعد الجريمة أرّخ لبداية فصول الوجع العربي وبداية المأساة الفلسطينية يوم زرعت بموجبه ” إسرائيل” عنوة كياناً عنصرياً توسعياً إرهابياً في قلب الوطن العربي.
105 أعوام على الوعد المشؤوم ولا يزال الفلسطينيون يعانون تبعاته استهدافاً جسدياً وتهجيراً وسلب أراضيهم وممتلكاتهم لتوسيع الاستيطان غير الشرعي، ويدفعون ثمنه نزيفاً دائماً على مساحة فلسطين المحتلة، لم تشعر بريطانيا يوماً بعار وفداحة  فعلتها ولم تحاول حكوماتها المتعاقبة التكفير عن جريمتها النكراء بإصلاح الغبن التاريخي الذي ألبسته ظلماً للشعب الفلسطيني, ولم يطرأ أي تغيير في المشهد الدولي أو في سياسات الدول الاستعمارية الضالعة بالمؤامرة على الحقوق الفلسطينية المشروعة وفي مقدمتهم أميركا عرابة “صفقة القرن” والراعية لبازارات التطبيع.
بذور إنشاء وطن للصهاينة
كان وعد بلفور فكرة راودت الصهاينة و بدأت فصولها تبرز في مؤتمر بازل سنة 1897 وعملت بكل ما أوتيت من مكر وخديعة لأخذ تعهد من الدول الاستعمارية الكبرى لتحقيق مرادها في اغتصاب فلسطين وتشكيل بؤرة استيطان صهيونية، وجاء الوعد البريطاني المشؤوم أشبه بنقطة تحول في تاريخ الحركة الصهيونية، لذا اندفع الصهاينة بعده لمضاعفة تحركاتهم بعد أن وجدوا دولة كبيرة بحجم بريطانيا تتحمس لمشروعهم، لذا تقدموا ببرنامج خاص لإدارة فلسطين وتوطين الصهاينة فيها، فكانت فكرة تأسيس الوكالة اليهودية وتأسيس شركة ذات امتياز لشراء الأراضي وتوطين الصهاينة المهاجرين إليها، ثم قامت بريطانيا بإدخال وعد بلفور في وثيقة الانتداب البريطاني على فلسطين الصادرة من عصبة الأمم متواطئة في ذلك مع الدول الكبرى ليسري العمل بهذا الوعد بصفة رسمية وعلنية وبغطاءٍ مِن عصبة الأمم لتكتمل بذلك المؤامرة على العرب والشعب الفلسطيني.
باندلاع الحرب العالمية الأولى توافرت الأجواء الدولية الملائمة لتنفيذ الأيديولوجيا الصهيونية وذلك بإنشاء وتحقيق كيان يجمع شتاتهم المبعثر على امتداد القارات ولو حصل ذلك على حساب الشعوب الأصلية، وبدت بريطانيا الإمبراطورية الوحيدة القادرة على تنفيذ هذا الالتزام لعدة أسباب: منها أنها الدولة الأوروبية الأكثر ظهوراً على الواجهة الإمبريالية، وأظهرت توجها نحو المنطقة العربية منذ وقت مبكر ما جعلها لأن تكون الرحم الحاضن للأجندات الصهيونية  لينمو هذا الجنين المشوَّه في رحم الدولة البريطانية منذ عام 1905، وقبلها بعدة سنوات شهدت تدشين بعض الشركات الصهيونية الأولى الهادفة إلى إيجاد بقعة للصهيونية على أرض فلسطين.
وبمكر خبيث من كبار منظري الصهيونية لكسب الغطاء البريطاني للكيان الصهيوني المقترح بدأت عملية المغازلة الصهيونية مع بريطانيا وتحايلوا بأن توطين عنصر تابع لبريطانيا في فلسطين يمكن أن يشكل سداً منيعاً يوفر الأمان لقناة السويس ويحرس لبريطانيا مواصلاتها إلى الهند والشرق الأدنى، في مقابل تلك الخدمات العظيمة خفض الصهاينة مطالبهم في أن تخوض بريطانيا الانتداب على أرض فلسطين وتسهِّل إقامة وطن قومي للصهاينة، وأصروا على ضرورة أن يكون محاطاً ب”غطاء شرعي” ألا وهو الاعتراف الدولي.
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في 1918 بدأ الصهاينة بالهجرة إلى فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني وفق قرارات عصبة الأمم، ووفق وعد بلفور وشروط الانتداب قامت سلطة الانتداب بتيسير هجرة اليهود بهدف تأسيس وطن قومي لهم في فلسطين، ليبدأ معها بشكل واسع وضخم  إنشاء مشروعات زراعية و اقتصادية تقوم بها الحركة الصهيونية خلال فترة الانتداب في فلسطين لحساب المستوطنين الجدد، كما ازدادت الهجرة الصهيونية إلى فلسطين.
الاحتيال البريطاني لغرز كيان الإرهاب
اعتمد الانتداب البريطاني على فلسطين وبشكل ممنهج أربع وسائل رئيسية في سياسته لتثبيت الكيان الصهيوني في فلسطين وهي حق انتزاع الأراضي الفلسطينية، دعم وتشجيع الهجرة الصهيونية، التشجيع والدعم للمشروعات الاقتصادية الصهيونية، قمع الشعب الفلسطيني

وقامت بريطانيا بفتح الباب واسعاً أمام الصهاينة ليتملكوا قطاعات كبيرة وواسعة في فلسطين، وأما الدستور الفلسطيني الذي أصدرته إدارة الانتداب البريطانية فقد ذهب إلى أبعد من ذلك إذ وضع كل ثروات فلسطين الطبيعية من المعادن والمناجم والأنهار تحت تصرف المندوب السامي البريطاني وبشكل مطلق، الأمر الذي خوَّله بكل الصلاحيات في أن يؤجِّر ويهب الأراضي العمومية لمن يشاء، ومن البديهي أن تكون كل هذه الهبات لمصلحة الكيان الصهيوني؛ إذ إن سياسة الانتداب البريطاني آنذاك كانت قائمة على هدف انتزاع الأراضي من أصحابها الأصليين بيد، ومنحها للكيان الصهيوني باليد الأخرى.
وعد بلفور باطل قانونياً
بريطانيا بإصدارها هذا الوعد أعطت لنفسها الحق في أن تتصرف في فلسطين التي لا تملكها وتعطيها لمن لا يستحق ودون أن ترجع إلى أصحاب الأرض، الأمر الذي يجعل من هذا الوعد باطلاً تنعدم فيه الأهلية القانونية، فطرف التعاقد مع بريطانيا في هذا الوعد هو شخص أو أشخاص و ليس دولة، شخص لا يتمتع بصفة التعاقد الرسمي وهو روتشيلد، ومن شروط صحة انعقاد أي اتفاقية أو معاهدة دولية كما هو معروف هو أن يكون طرفاً أو أطراف التعاقد من الدول أولاً ثم من الدول ذات السيادة ثانياً، أما التعاقد أو الاتفاق أو التعاهد مع الأفراد فهو باطل دولياً شكلاً و موضوعاً، وبالنتيجة فإنه ليس ملزماً حتى لأطرافه.
وقد فنَّد مختصون في القانون الدولي هذا “الوعد” البريطاني وأكدوا بطلانه لعدة أسباب أهمها:
1- الوعد صدر  عام 1917 أي في وقت لم يكن لبريطانيا فيه أي صلة قانونية بفلسطين.
2- احتلال بريطانيا لفلسطين حدث بعد صدور الوعد، ولأن قانون الاحتلال الحربي لا يجيز لدولة الاحتلال التصرف بالأراضي المحتلة.
3- الوعد أعطى فلسطين لمجموعة من الناس لا تملك أي صفة أو حق في تسلمها أو استيطانها أو احتلالها.
4- الوعد ليس اتفاقية أو معاهدة بين دول أو كيانات دولية ذات سيادة، فاللورد بلفور مسؤول بريطاني ولكنه لا يملك حق التعاقد باسم دولته، واللورد روتشيلد مواطن بريطاني صهيوني ولكنه لا يمثل اليهود المنتشرين في العالم والذين لم يكن لهم شخصية قانونية دولية.
5- الوعد أضرَّ بالحقوق التاريخية والقومية المكتسبة لسكان فلسطين، فهؤلاء السكان موجودون في فلسطين منذ آلاف السنين، وقد اعترفت لهم الدول الحليفة والمنتصرة في الحرب العالمية الأولى بحق تقرير المصير وحق اختيار النظام السياسي والاجتماعي الذي يلائمهم.
6- الوعد يتناقض مع بعض المواد الواردة في ميثاق عصبة الأمم أو صك الانتداب فهو مثلاً يتناقض مع المادة العشرين من الميثاق، وكان على بريطانيا أن تلتزم بهذا النص وتلغي التزامها بوعد بلفور، ولكنها لم تفعل، بل عمدت إلى تهيئة كل الظروف لدعم الحركة الصهيونية وإنشاء الكيان الإرهابي.
7- الوعد يتناقض كذلك مع المادة الخامسة من صك الانتداب التي تلزم الدولة المنتدبة بحماية فلسطين من فقدان أي جزء من أراضيها أو من تأجيرها، ولكن بريطانيا بحصر اهتمامها بيهود فلسطين وتشجيع الهجرة وتدريب الميليشيات الإرهابية الصهيونية، أخلَّت بالمادة المذكورة وساعدت فئة من الدخلاء على الاستيلاء على قسم من فلسطين وتشريد سكانها الأصليين.
ويؤكد القانونيون أن عصبة الأمم خرقت ميثاقها عندما سمحت بإدخال وعد بلفور في صك الانتداب، وعندما تغاضت عن التصرفات البريطانية التي أخلَّت بالمبادئ الدولية فشجعت بذلك المنظمة العالمية التي خلفتها على اتخاذ قرار جائر بالتقسيم.

اقرأ في الملف السياسي

أعطى من لا يملك وعداً لمن لا يستحق

آخر الأخبار
مصدر عسكري: لا صحة لأي نبأ بشأن انسحاب لوحدات قواتنا بريف دمشق في جلسة استثنائية لمجلس الوزراء.. الجلالي: الحكومة تمتلك الخبرة والقدرة على التعامل مع الأوضاع الطار... "الطيران المدني": مطار دمشق الدولي يعمل بكامل طاقته القضاء على عشرات الإرهابيين بريفي حماة وحمص وزراء خارجية سورية والعراق وإيران في بيان مشترك: لا خيار سوى التنسيق والتعاون لإبعاد مخاطر التصعيد الإرهابيون يشنون حربا إعلامية لإظهار سيطرتهم على بعض المناطق القيادة العامة للجيش: تنفيذ إعادة انتشار وإقامة طوق أمني قوي على اتجاه درعا والسويداء خطة إستجابة لضبط الأسعار وتأمين المواد.. وزير التجارة: مخزون للقمح يكفي القطاعين العام والخاص 5 مجازر للاحتلال في غزة خلال 24 ساعة أسفرت عن ارتقاء 48 شهيداً الجيش الروسي يواصل تقدمه في عمق الدفاعات الأوكرانية طهران تحمل أمين عام الناتو مسؤولية التدهور الأمني المفروض على العالم كوريا الجنوبية: التصويت على مقترح عزل الرئيس السبت القادم الصين تفرض عقوبات على 13 شركة أميركية تصدّر أسلحة إلى تايوان الرئاسة الروسية: نرحب بكل جهود الوساطة لتسوية الأزمة الأوكرانية موسكو: معاهدة الشراكة والدفاع المشترك مع كوريا الديمقراطية تدخل حيز التنفيذ وزير الخارجية الهنغاري: حجب شبكة قنوات RT الروسية نفاق إنجاز علمي جديد لجامعة دمشق في تصنيف التايمز العربي قيادة الجيش: حفاظاً على أرواح المدنيين في حماة وحداتنا تعيد انتشارها خارج المدينة الطيران الحربي السوري الروسي يدمر أعداداً كبيرة من آليات الإرهابيين في ريف حماة الشمالي ويقضي على ال... ثلاثون طفلاً من ذوي الإعاقة مكرَّماً.. "أيدٍ مبدعة" بازار خيري في صحنايا