تحدثت في زاوية سابقة عن الغبن والظلم والتجاهل الذي قد يصيب ملحن وشاعر الأغنية، وخاصة حين تعزف موسيقا أغنية وتنسب للمطرب أو المطربة، وليس لملحنها.. واليوم سأتحدث عن تجاهل موزع موسيقا لحن الأغنية.
وبداية أقول بأن مهمة الموزع الموسيقي تكمن في تدوين اللحن، وتوظيف الآلات الموسيقة، لكي تخدم الجمل اللحنية على أكمل وجه، ويقوم الموزع بالإشراف على خطوات تسجيل الأغنية من البداية حتى النهاية.. ولقد أخرجت من مكتبتي الموسيقية أسطوانات قديمة، دونت عليها أسماء الموزعين الموسيقيين، ومن ضمنها أسطوانة أغنية وديع الصافي (عندك بحرية يا ريّس) التي هي من توزيع إلياس الرحباني، وأغنية محمد قنديل (يا معداوي) التي وزع موسيقاها سيد إسماعيل، كما جاء على غلافهما.. وهذه نماذج تؤكد أن اسم الموزع كان يوضع على أغلفة الأسطوانات القديمة، إلى جانب اسم كاتب الأغنية واسم ملحنها، بخلاف ما يحدث اليوم من ظلم وتهميش وتجاهل، لدرجة أن جائزة أفضل لحن تمنح في أحيان كثيرة للمطرب وليس للملحن، وحتى في الحفلات الغنائية يتم تجاهل اسم الموزع الموسيقي، الذي له دور كبير في نجاح أي أغنية.
وأشهر الموزعين الموسيقيين العرب (على حد قول الموسيقي مدحت ديب المتخصص في عزف وغناء تراث موسيقار الأزمان فريد الأطرش) هم عمر خيرت وعزيز صادق وعلي إسماعيل وأحمد الصعيدي من مصر، والأخوان رحباني ورفيق حبيقة من لبنان، وأسعد خوري ونوري رحيباني من سورية.. ومن الجيل الجديد حسن الشافعي وطارق مدكور ومدحت خميس وناير ناجي من مصر.
ويمكن للموزع أن يقود الفرقة الموسيقية، كما حدث مع عزيز صادق، الذي وزع أغاني فيلم انتصار الشباب لفريد الأطرش وأسمهان، وتولى قيادة الأوركسترا.. وكما فعل الموزع الموسيقي أندريه رايدر، عندما عزف مع فريد الأطرش في أغنية الربيع 1970، وكما حدث مع عاصي الرحباني في قيادته لفرقته الموسيقية عندما كانت تغني فيروز، وكذلك نوري رحيباني عندما قاد فرقة برلين للإذاعة والتلفزيون في القصيد السمفوني الربان والعاصفة للموسيقار صفوان بهلوان.
ولابد من الإشارة إلى دور المايسترو ميساك باغبودريان وعدنان فتح الله ووليد غلمية وسليم سحاب وأندريه معلولي وحسام الدين بريمو ورعد خلف وصلاح غباشي وناير ناجي وأندريه الحاج وغيرهم.
مع العلم أن هناك أعمالاً لا تحتاج إلى مايسترو بخلاف الأعمال الموسيقية الجادة.. أما قيادة أوركسترا غربية فيحتاج إلى مايسترو على مستوى عال من الدراسة والتخصص، ولا يجوز لمطرب حتى ولو كان دارساً للموسيقا كعبد الحليم حافظ (المطرب الوحيد الذي كان مسموحاً له بقيادة الفرقة الماسية) أن يقود أوركسترا غربية تعزف لحنا موسيقياً بحتاً ليس فيه غناء..