تمر مئوية الفنان الرائد أدهم إسماعيل ( 1922 ـ 1963 ) أحد أهم أعمدة وأركان الحداثة التشكيلية السورية والعربية بتجاهل وتعتيم كلي، هو الذي كان سباقاً في تجاوز الأنماط التصويرية التقليدية، حيث جسد منذ مطلع خمسينات القرن الماضي، من خلال مساحاته اللونية الجانحة نحو الاستواء والتسطيح، المشاهد والحالات الإنسانية، والعودة إلى استلهام ما يمكن تسميته ديمومة العناصر التراثية، المنفتحة على طروحات الحداثة والأصالة في آن واحد، ولوحته (الحمال مجسدة بمسطحات لونية) وموقعة عام 1951وهي موثقة بهذا التاريخ في الكتاب الذي أصدرته صالة أتاسي عام 1998.
حتى إنه عومل مثل بقية الفنانين، حين عرضت له لوحة في معرض رواد الحداثة الاستعادي، الذي أقيم في صالة الشعب، ضمن احتفالية أيام الفن التشكيلي السوري 2022.
هو الذي بدأ تأثره بالأساليب الفنية الأوروبية الحديثة، قبيل سفره إلى روما عام 1953 لدراسة الفن في أكاديميتها والاطلاع على متاحفها، ولهذا يشير العديد من الفنانين والنقاد إلى أهمية تجربته في إطلاق موجات الحداثة في التشكيل السوري، حيث كان ومنذ أوائل الخمسينيات، يرسم الأشكال الطبيعية والإنسانية ضمن مساحات لونية تجريدية، ويقدم من خلالها تنسيقاً ساحراً للألوان، وكان اهتمامه مركزاً حول رحلة تشكيل انسيابية الخط، على طريقة الخط الذي لا نهاية له.
ولقد توفي أدهم إسماعيل عام 1963، بعد ثلاث سنوات من حيازته لجائزة بينالي الإسكندرية. وكتب عنه كبار الفنانين والنقاد، وأطلق اسمه على مركز دمشق للفنون التشكيلية، تخليداً لذكراه، واعتبر منذ ذلك التاريخ كواحد من كبار رواد الحداثة في حركتنا التشكيلية السورية المعاصرة.
هكذا انطلق نحو تجسيد عناصر المرأة والأشكال الحيوانية ورموز الطبيعة، بصياغة فنية حديثة منفلتة من قيود الدراسة الأكاديمية، إن لجهة اختيار المادة اللونية أو لجهة رؤية الأشكال المتداخلة مع المسطحات اللونية للوصول إلى الصياغة الفنية في اتجاهاتها التعبيرية المغايرة لما تراه العين في الأبعاد الثلاثة.
ولوحاته تؤكد أسلوبه الفني الخاص، وتذهب إلى درجة من العقلانية والهندسية، بحيث تتداخل الأشكال مع المسطحات اللونية التجريدية ، وهذه الطريقة التشكيلية المتطورة، التي جسد من خلالها العناصر والأشكال فرضتها وبقوة ثقافة فنون العصر. ولقد أعطى لوحاته مبدأ القوة الخطية والمساحة الهندسية (دوائر، أقواس، خطوط مستقيمة، التفافات لولبية وحلزونية…) حيث شكلت تجربته تحولاً بارزاً في مسار التجارب التشكيلية التي كانت سائدة عندنا.
وتفيد الإشارة إلى أننا على عتبة مئوية الفنان الرائد محمود حماد ( من مواليد 1923 ) الذي يعتبر الرائد الأول للتشكيل التجريدي الحروفي، حيث قدم لوحات بهذا الاتجاه مند مطلع الستينيات، آملين أن يأخذ حقه في الاحتفاء بمئويته.