برزت على السطح مواقف غربية تدعو إلى ضرورة التفاوض بين روسيا وأوكرانيا لإنهاء الحرب الدائرة، ولكن في المقابل ثمة تناقض واضح في التصريحات الغربية حيال هذه المسألة، ما يشير إلى حدة الانقسامات الغربية، ولاسيما داخل حلف الناتو، وكذلك داخل الإدارة الأميركية نفسها.
هيئة الأركان الأميركية اعترفت بأن الأزمة الأوكرانية لا يمكن حلها بالوسائل العسكرية، وإنما عن طريق التفاوض، وبأن الفرصة مواتية الآن لإجراء حوار ينهي الحرب، في حين تعارض وزارة الخارجية هذا الرأي وتدعو لمواصلة دعم أوكرانيا عسكرياً، وهذا يشير إلى إستراتيجية الغموض التي تمارسها الإدارة الأميركية، فهي لا تريد إنهاء الحرب وإنما إطالتها لمحاولة إضعاف روسيا، ولكنها تعاني من ضغوط شديدة داخل الشارع الأميركي الذي يطالب بوقف إمدادات الأسلحة لكييف، والالتفات إلى معالجة التضخم في الولايات المتحدة، وربما تعكف إدارة بايدن على إجراء تقييم ومراجعة لمساعداتها العسكرية، ولكنها بكل تأكيد ستدفع وكلاءها الأوروبيين وفي مقدمتهم بريطانيا للتعويض عن المساعدات الأميركية بحال تقليصها.
دعوات التفاوض التي تطلقها الأطراف الغربية لا تستقيم بالمطلق مع اعتراف الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، بأن الحلف لا يسعى لوقف إطلاق النار في أوكرانيا بشروط روسية، لأن ذلك حسب قوله “يرسل إشارة إلى أن استخدام القوة يؤدي إلى تحقيق أهداف سياسية”، وهذا يعني أن الحلف تحت القيادة الأميركية يتجه نحو تأجيج الأزمة أكثر، ولاسيما أن تدريبات عسكرية مشتركة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا بدأت للتو في صحراء موهافي الأميركية لمحاكاة عمليات عسكرية ضد القوات الروسية في أوروبا، وفق ما ذكرته صحيفة التايمز البريطانية، ومع وجود بعض الأطراف الأوروبية الرافضة لمواصلة تقديم السلاح للجانب الأوكراني، بسبب بدء نفاد مخزون الأسلحة لديها، وبسبب أزمة الطاقة نتيجة سياسة العقوبات المرتدة، فإن الانقسام يبدو واضحاً داخل الحلف، ولكن هذا لا يعني أن دولاً مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا لن تحاول التأثير في باقي الدول لمواصلة تقديم السلاح لكييف، ورفض مبدأ الحوار والتفاوض.
روسيا دائما تبدي استعدادها للحوار والتفاوض شرط مراعاة مصالحها، ومراعاة المتغيرات على الأرض، ولكن المشكلة بأن نظام كييف ليس صاحب القرار الفعلي لإجراء مثل هذا الحوار، وهنا فإن أي حوار أو تفاوض محتمل سيكون بين موسكو وواشنطن وحلف الناتو، وروسيا بكل تأكيد لن تتنازل عن شروطها، وعلى رأسها وقف ضخ السلاح الأميركي والأوروبي لكييف، وحصولها على الضمانات التي طرحتها قبل بداية الحرب، وأولها التزام “الناتو” بعد التوسع نحو الشرق، لأن في ذلك تهديداً صريحاً لسيادتها وأمنها القومي، لن تقبل به مطلقاً.