خميس بن عبيد القطيطي – كاتب من سلطنة عمان:
في أول لقاء يجمع الرئيس بايدن مع نظيره الصيني في جزيرة بالي الاندونيسية على هامش قمة العشرين بدا شيئاً من التحول التكتيكي في السياسة الأمريكية تجاه الصين والتركيز على التعاون في ملفات عدة منها ملفات تايون والنشاط العسكري الصيني في غرب المحيط الهادئ وكوريا الشمالية الحليف الاستراتيجي للصين.
ويبدو أن الصين أيضاً تبحث عن هذا التعاون كما عبرت المتحدثة باسم الخارجية الصينية في وقت سابق حيث دعت الولايات المتحدة إلى مراعاة الاختلافات على نحو مناسب وتعزيز التعاون المفيد للجانبين، وتجنب سوء الفهم وسوء التقدير من أجل إعادة العلاقات الأمريكية – الصينية إلى سابق عهدها وتحقيق نمو صحي ومستقر، بل إن اللقاء بين الرئيسين في حد ذاته أبرز صورة من الود والمجاملات الدبلوماسية بشكل كبير حيث بادر الرئيس بايدن نظيره الصيني شي جين بينج منذ الوهلة الأولى بالترحيب مبتسماً: “من الجيد رؤيتك” يأتي ذلك بعد أسابيع من تردي العلاقات بين الدولتين إثر زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكية نانسي بيلوسي إلى تايون والتي أثارت أزمة بين البلدين.
وقد أكد بايدن أن اللقاء يرسم الخطوط الحمراء لكلا البلدين، وقال: “إن الولايات المتحدة والصين تستطيعان إدارة خلافاتهما وقادرتان على منع تحول المنافسة بينهما إلى صراع” وكان مسؤول كبير في البيت الأبيض أكد “إن الهدف الأساسي هو وضع حواجز أمان وقواعد واضحة للطريق لضمان عدم تحول المنافسة إلى صراع” وجاء المؤتمر الصحفي بكثير من العبارات الودية والمجاملات الدبلوماسية مثل تعليق بايدن: “نسعى للحفاظ على صين واحدة” وعبارات أكثر حرصاً على التعاون وتهيئة العلاقات نحو تنافس يحرص على مصالح البلدين وتجنب النزاع، فيما تلاشت حدة الصين حيث أكدت الصين أنها لا تسعى إلى تغيير النظام العالمي بل التعاون وأعربت عن أملها أن يعيد اللقاء العلاقات إلى مسارها، ولفت الرئيس الصيني إلى أهمية العلاقات بين بكين وواشنطن وضرورة رسم مسار صحيح لها، ولا شك هناك قضايا أخرى تشكل محاور المباحثات في قمة العشرين مثل الاقتصاد والأمن الغذائي والتعاون الدولي والطاقة النظيفة وأزمة المناخ والتحول الرقمي.
هذا التحول الفجائي والبساط الأحمدي بين البلدين يأتي بعد تاريخ ملبد بالتنافس والمناوشات الإعلامية، ويبدو أن التحول الأمريكي بالتقارب نحو الصين من خلال الحوار والتنسيق والتعاون المشترك يوحي بأن السياسية الجديدة التي تلجأ إليها الإدارة الأمريكية هي احتواء الصين وتجنب الصدام والنزاع، ومحاولة تحديد الخطوط الحمراء كما عبر عنها المسؤول بالبيت الأبيض لوضع حواجز أمان، وهناك نقطة ذات أهمية كبيرة لواشنطن وهي ضمان حياد الصين عن دائرة المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية.
النهج السياسي الأمريكي الجديد تجاه بكين وارد في السياسة الدولية المبنية على المصالح وهناك نماذج دولية متنافرة تغيرت بزاوية ١٨٠ درجة تحت ضغط المصالح ومنها ما تجاوز حتى المبادئ والقيم، فهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟!.
لا شك أن التحول الإيجابي ممكن في سياق التحولات السريعة في العلاقات الدولية بشرط أن تكون هذه التحولات مبنية على قواعد من القيم والمبادئ التي تراعي حقوق الإنسان والدول والاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، لكن ذلك لن يطول كثيرا لان تجاوز تاريخ آثم من الظلم والعدوان والتكفير عن أخطاء الماضي وتبني المبادرة لعلاج المشاكل العالمية من الصعب تحقيقه وخاصة من قبل الدول التي كانت الأكثر تجاوزاً للنظام الدولي وتجاوزاً لحقوق الإنسان ودأبت على إشعال الحروب والتأثير الخطير على المناخ وعدم مراعاة المسئولية العالمية والشواهد كثيرة لا حصر لها.
العلاقات الدولية المتجددة وإن مثلت حالة صحية لردم الهوة بين أي بلدين أو قطبين عالميين لكنها لن تصمد أمام حقائق التاريخ ومستجدات المستقبل السياسي الدولي الذي تحكمه المنافسة وإن بدا ذلك ممكناً بشكل مؤقت لتجاوز حالة سياسية عابرة في مدى زمني معين إلا أن لغة التنافس والبقاء للأقوى ستظل هي السائدة في مجرى التاريخ وسنة التبديل في هذا العالم.
* المقال ينشر بالتزامن مع صحيفة الوطن العمانية ورأي اليوم