إلى قادة الفكر والسياسة العرب، أليس من الأفضل أن تقوموا أنتم باختيار موعد يوم اللغة العربية العالمي ليكون مفصحاً عن إنجاز عربي ذاتي منسجم في دلالته مع دلالات تفصح عنها الأيام العالمية للغات الأخرى؟
أسرّ بيومي أول آذار و 18 كانون الأول من كل عام واحتفي بهما، وأشعر بسعادة حقيقية إذا تلقيت إشارة من صديق ما تقول أنه تذكرني في يوم اللغة الغربية الذي قررت المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة موعده في أول آذار، وفي اليوم العالمي للغة العربية الذي حددته اليونسكو في 18 ك الأول.
لماذا أسر واحتفي وأشعر بسعادة؟ لأنني أرى لنفسي أثراً في هذين اليومين، هما ثمرة فكرة أطلقتها في حلب يوم 15 آذار 2006. صحيح أن أيا من المنظمتين اللتين حددتا الموعدين لم تسألني الرأي، وصحيح أيضاً أنهما لم تكونا مطلعتين على دوري في إطلاق الفكرة، وصحيح فوق ذلك أنني أرى ثلاثة مواعيد أخرى، بل أكثر من ثلاثة، أجدر من يومي المنظمتين بأن تطلق عليهما الصفة المحببة “يوم اللغة العربية” وأن تضاف إلى الصفة كلمة “العالمي” أو “الأكبر”، صحيح كل ذلك، إلا أن اليومين في آذار وفي كانون الأول يستمران مصدر غبطة لي، أنهما إنجاز يقترن باسمي.
منذ 2010 أنا اقرن الإنجاز باسمي وأناضل لتثبت حقي في أبوة فكرة اعتماد يوم للغة العربية، أبوة حضنت بذرتها جامعة حلب، فاتحاد الكتاب العرب، فدار الفكر، فلجنة التمكين للغة العربية المرتبطة بمكتب السيدة نائب رئيس الجمهورية.
بل حضنت فكرتها أيضاً رسالة “فاكسية” إلى آمين عام جامعة الدول العربية ومنه إلى القمة العربية، وكان للبذرة حضن ثالث فتي نشط هو “المجلس العالمي للغة العربية” ومقراه بيروت ودبي، ويعمل برعاية سمو الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي ونائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة.
منذ تبلورت الفكرة قراراً ذات يوم في عام 2010، قراراً مجرداً من اسم صاحب البذرة، وأنا في هم جميل بل في مهمة تثقيفية مؤداها بالمختصر المفيد: “يا أصحاب الثقافة في بلادنا العربية، تنبهوا، إن للفكرة صاحباً وأنني هو”.
تنبه للأمر صديق في بيروت فأطلقت علي هيئة لبنانية لها شأنها صفة صاحب فكرة يوم اللغة العربية”. كان ذلك عام 2016.
تنبه للأمر قارئ جاد برتبة مندوب دولته لدى اليونسكو، مكلف من اليونسكو لنشر الثقافة العربية، فدعاني محاضراً في احتفالية “يوم اللغة العربية العالمي”، تلك الاحتفالية السنوية التي تقام في مبنى اليونسكو، كان ذلك أيضاً عام 2016.
ثم أتى دور دمشق مجلجلاً متقدماً الصفوف. ففي 22 كانون الأول 2021 نشرت جريدة “البعث” بياناً عن اللغة قالت فيه بوضوح ما قلته مراراً من أن فكرة اليوم العالمي إنما انطلقت من حلب يوم 15 آذار 2006، ماذا جرى في ذلك اليوم؟ صمت البيان.. كأن صياغ البيان أحبوا، بعدم تبيان هوية صاحب الفكرة وظروف الإطلاق، كأنهم أحبوا أن يثيروا فضول القراء، فيضمنوا لاسم صاحب الفكرة تداولاً أوسع.
هذا الكراس فعل ابتهاج ببيان القيادة المركزية الذي صدر يوم 20 كانون الأول 2021. هو أيضاً فعل نشر لما أتى به من تثبيت دور حلب، وفعل إيضاح لمسارات مثمرة نافعة تبنتها اليونسكو.
أحببت لهيئاتنا الثقافية، واللغوية منها بشكل خاص، أن تثبت وأن توضح. فلما كاد أن يحول الحول دون أن تفعل، أخذت الأمر على عاتقي فكان هذا الكراس الذي أرجو أن يصل إلى أيدي القراء قبل موسم اليوم العالمي وفي عز الموسم.
أتوسم في ما أقوم به من نشر الكراس فائدة مثلثة. فائدة إكمال السردية السورية التي أتت بها القيادة المركزية لحزب البعث، وهو إكمال واجب. وفائدة تنمية الشعور بأهمية صيانة حقوق صاحب فكرة نافعة.
أما الفائدة الثالثة المستهدفة فتختص بأهمية التوثيق. وفي حالتنا هذه يوجب التوثيق الدقيق على اليونسكو أن تعلن، يوم احتفالية يوم اللغة العربية العالمي، ما أعلنته القيادة المركزية من أن فكرة اليوم انطلقت من حلب،من جامعة حلب بالتحديد.
هل ستعلن اليونسكو يوم 18 كانون الأول 2022، بعد أسابيع قليلة، أن الفكرة بدءاً من حلب؟ أرجو ذلك.
الأستاذ الدكتور جورج جبور
*دمشق في 26 تشرين الثاني 2022