الثورة – أحمد صلال – باريس:
بمشاركة مجموعة من الشعراء والمثقفين السوريين والعرب، انطلقت في دار الأوبرا بدمشق فعاليات مهرجان أيّام البُردة الدولي، الذي تقيمه وزارة الثقافة السورية، ويُعدّ الأول من نوعه في البلاد احتفاءً بمديح النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
حول أهمية المهرجان، خصوصاً في ظل انفتاح ثقافي تشهده سوريا، وما رأي الشعراء في إمكانية تفعيل بند المشاركة عن بُعد لتمكين شعراء المهجر من المساهمة فيه، إضافة إلى العلاقة بين الشعر والتصوف، كانت محور الأسئلة التي طرحتها صحيفة الثورة على شعراء سوريين في باريس.
فنٌّ عريق
يبدأ الشاعر السوري أحمد خميس حديثه لصحيفة الثورة بالقول: “الوهن والتعب والإرهاق هي أبرز ملامح الأبطال العائدين من جلجلة المعارك وصليل سيوفها، وكذلك البلدان”.
ويتابع خميس موضحاً أهمية مهرجان البُردة: “خروج البلاد منتصرة بثورة أبنائها يعني بالضرورة خروجها منهكة متعبة، والنهوض بها يحتاج إلى عمل دؤوب وشاق، ولا يتوقف الأمر عند بناء الجسور والمنشآت والمرافق، بل لابد من الالتفات إلى البنى الفوقية التي تتقدّمها ثقافة الشعب وأخلاقيّاته وأدبيّاته.

فالشعر هو وجدان الشعوب، وهمسها الدافئ، وإحساسها المرهف، وصوتها الرقيق الساحر”.
ويضيف خميس: “مهرجان البُردة، الذي انطلقت فعاليّاته في الرابع والعشرين من تشرين الأول برعاية وزارة الثقافة في دار الأوبرا بدمشق، هو حدث مهم بكل تأكيد، ولا سيما أن البلاد كانت مغيّبة لسنوات، يعلو فيها صوت الرصاص والنحيب على الأدب والموسيقا والشعر، وكانت معزولة عن العالم باعتبارها ساحة معركة لا أكثر”.
ويتابع: “مهرجان البُردة سيفتح الباب لغيره من المهرجانات الأدبية الأخرى، وسيستقطب العديد من الشعراء السوريين والعرب، وسيكون لبنة في ترميم القلعة السورية التي طحنتها رحى حرب دامت أكثر من ثلاث عشرة سنة”.
وفي ما يخصّ فكرة توسيع المشاركة لتشمل شعراء المهجر عن بُعد، يقول خميس: “لا ضير أبداً، رغم أملي أن يعود المهاجرون بدفاترهم التي خطّوا فيها ذكرياتهم وأشعارهم التي اصطحبوها معهم إلى منافيهم.
إن المشاركات عبر الوسائل الحديثة ستكون بمثابة الرديف الشجاع للمرابط الحقيقي على الأرض، وستُسهم بكل تأكيد في إنجاح المهرجان وغيره من الفعاليات الثقافية”.
ويرى خميس أنه لا يمكن الفصل بين الشاعر والمتصوف، فكل شاعر متصوف على نحوٍ ما، إذ يقول: “الشعر حالة وجدانية تسمو فيها المشاعر وتتجلّى الأحاسيس بتجرّدها من ماديات الحياة وبشاعاتها الكثيرة.
التصوف والشعر توءمان سياميان؛ روح واحدة في جسدين ملتصقين ينبض فيهما قلب واحد وتسري فيهما الدماء ذاتها”.
ويختم خميس حديثه بالقول: “الشعر، بالنسبة لي، سموٌّ عاطفي يتجاوز المحسوس، ونشوة حارقة تتخطّى العالم المادي لتتحوّل إلى عالم من المجازات والصور والبحور.
وهذا بالضبط ما يعبّر عن جوهر الصوفية وملامحها العذبة الناعمة الرقيقة.
“المدائح النبوية.. فنٌّ صوفيٌّ رفيع
من جانبه، يرى الشاعر السوري أحمد الصويري أن لمهرجان البُردة أهمية كبيرة نابعة من قيمته الروحانية العليا، إذ يضيف للشعر بعداً إنسانياً وأخلاقياً، فـ”القصائد التي تُلقى في هذا المهرجان تكتسب أهميتها من كونها تتمحور حول المديح النبوي، وهو شكل خاص من المديح يحاول الشاعر من خلاله الارتقاء بروحه أولًا ثم بقصيدته، فهذا الشكل يضيف إلى المادح لا إلى الممدوح”.
ويتابع الصويري: “يُوفّر المهرجان مساحة لتلاقي الأصوات الشعرية من العالمين العربي والإسلامي، ويجعل الشعر جسراً بين الإيمان والإبداع، أمّا إقامته في سوريا، فهي بمثابة إعلان عن عودة الروح، لا المكان فحسب، وهذا أمر يدعو إلى التفاؤل ببداية مرحلة من التعافي والانفتاح الثقافي، كما يمهّد الطريق أمام المؤسسات الثقافية السورية لتعود إلى فضائها الطبيعي وتستعيد دورها الفاعل عربياً ودولياً”.
وفيما يتعلّق بإمكانية المشاركة عن بُعد، يقول الصويري:”لستُ مع هذه الفكرة، فالمشاركة عن بُعد لا تمنح الشاعر فرصة التفاعل الحقيقي مع التجارب والأصوات الشعرية الموجودة ضمن الفعاليات.
المشاركة عبر شاشة لا تُحقّق التقارب الإبداعي المنشود، ثمّ إن معظم الشعراء كانوا مهجّرين أو مغتربين بشكل قسري سابقاً، ولا أرى ما يمنع من استضافتهم رسمياً في وطنهم بما يليق بإبداعهم وإنسانيتهم.
وقد رأينا بالفعل أن المهرجان استضاف شعراء سوريين مغتربين، وهي بادرة طيبة تستحق التقدير.
وعن العلاقة بين الشعر والتصوف، يقول الصويري: “العلاقة بينهما ليست جديدة ولا طارئة، بل هما متلازمان في جوهر التجربة، فالشاعر يبحث عن الجمال في اللغة، والمتصوف يبحث عن الحقيقة في الوجود، وكلاهما يعتمد مفهوم الكشف، وإنْ اختلفت الوسائل”.
ويختم الصويري حديثه بالقول: “في الشعر كما في التصوف، تُلغى المسافة بين الذات والمطلق، فكلاهما يقوم على الحدس، ويحاول التعبير عمّا لا يُقال، الشعر الصوفي هو النقطة التي يلتقي فيها الجمال بالحقيقة”.
يبقى المديح النبوي أحد أسمى أشكال الشعر العربي، إذ يُعنى بمدح النبي ﷺ بتعداد صفاته الخَلقية والخُلقية، وإظهار الشوق لرؤيته وزيارة قبره والأماكن المقدسة المرتبطة بسيرته، مع ذكر معجزاته المادية والمعنوية، ونظم سيرته شعراً، والإشادة بغزواته وصفاته المثلى، والصلاة عليه تقديراً وتعظيماً.