الثورة – رنا بدري سلوم:
مهرجان “أيام البُردة” يعد حدثاً ثقافياً بارزاً يعكس عمق العلاقة بين الشعر والروحانية، ويتجاوز كونه مجرد مناسبة لإحياء ذكرى مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي رأى في الشام خيرة الله وهو القائل:” إن الله تكفل لي بالشام وأهله”، إذا هي مناسبة حية تسهم في تعزيز الوحدة الثقافية بين الشعوب العربية، مُؤكدة بذلك مكانة سوريا كعاصمة للثقافة العربية، وهو ما أشار إليه وزير الثقافة محمد ياسين صالح في افتتاح المهرجان “إننا نستمد حرف المديح الذي صدّقه أشرف الكتب ونستعيد في هذا اللقاء وهج السّيرة التي أنارت الدنيا بالرّحمة والعقل والنور”.
وقد أكد العديد من الشعراء الذين التقيناهم، سواء أثناء مشاركتهم في فعاليات المهرجان أو خلال التحضيرات للاحتفال الختامي غداً في محافظة حلب، أن هذا المهرجان ليس مجرد مهرجان أدبي، بل هو جسر يربط بين الأجيال المختلفة ويجسد الثراء الثقافي والتاريخي الذي تزخر به المنطقة، مُحاكية بذلك نهج التلاقي بين التراث والإبداع في أبهى صورها.

استعادة للهوية الثقافية
عبّر الشاعر زياد الشملان، عضو المكتب التنفيذي لنقابة معلمي سوريا ورئيس مكتب الإعلام، عن سعادته وامتنانه للمشاركة في مهرجان البردة كحدث ثقافي بارز قائلاً في تصريحه لنا: “تمثل مشاركتي في مهرجان البردة في حمص فرصة عظيمة للتفاعل مع جمهور جديد وتعزيز حضوري في مجال الشعر العربي، خصوصاً في هذه المرحلة التي تشهد تحولات كبيرة في سوريا الحبيبة.
في ظل الظروف الصعبة التي مرّت بها البلاد، يعدّ مهرجان البردة بمثابة استعادة للهوية الثقافية السورية والعربية، واحتفالاً حقيقياً بالحرية والإبداع”.
وأوضح الشملان أن إقامة المهرجان في دار الأوبرا بدمشق، هذا الصرح الثقافي العريق، وكذلك في عدد من المحافظات السورية مثل حلب، حمص، واللاذقية، يعكس التنوع الثقافي والجغرافي الذي تتمتع به سوريا.
وأضاف: “إن الثقافة والفن ليسا مجرد ترف، بل هما جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية، وأن الحياة الثقافية السورية مستمرة في النمو والتجدد”.
وألقى الشملان قصيدته التي تعبّر عن مشاعر عميقة وتقدّم صوراً شعرية جميلة ومعبرة، يقول فيها:
من يقرض الناظرين الفجرَ أدعيةً
تردُّ كيداً تمادى في الدنيا قهراً
لا الخلقُ يقرضُ أوراداً تجاملهم
ولا الجيوشُ إلى آهاتهم تترى
لكنّ هديَ نبيٍّ في ضمائرهم
قد أبدل القهرَ في ساحاتهم بدراً
محمدٌ، كم نأَينا في خواطرنا
وجهٌ يولّي ووهمٌ يخلقُ العذر
في عتمةِ الظلمِ تاهت كلُّ بارقةٍ
فلتجلُ كفُّك عن نور الهدى ستراً
وليسعد القلبُ ما إن قاد جارحتي
حتى يُوفّيَ في درب الهوى نذراً.
بوابة الشعر والتواصل الثقافي
“المديح النبوي هو باب من أبواب الشعر بدأ بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، حيث مدحه الشاعر حسان بن ثابت، وكان النبي يستحسن الشعر ويستمع إليه”.

وفقاً لما قاله الشاعر غيث العلاوي الذي يشارك في محافظة حلب آخر أيام المهرجان.
وقال في تصريحه لصحيفة “الثورة” عن تحضيره للمشاركة في آخر أيام المهرجان غداً: “يتفرد أهمية المديح النبوي في الشعر العربي بقدسية خاصة ومكانة روحية عند المسلمين، بغض النظر عن اختلاف المذاهب.
ومن أشهر قصائد المدائح “بردة” كعب بن زهير، والبوصيري، وأحمد شوقي”.
وأشار العلاوي إلى أن مهرجان البردة هو الأول من نوعه في سوريا على الصعيد الثقافي الأدبي، مؤكداً أن مثل هذه المهرجانات تقام في كل البلدان العربية، وها هي سوريا تستعيد دورها الريادي في هذا المجال.
كما نوّه بأن أهالي المحافظات السورية، وبخاصة في دمشق وحلب، ظلوا يقيمون احتفالات ذكرى المولد النبوي الشريف ويغنون المدائح في أفراحهم، ويشاركون في توزيع الحلوى في أسواقهم، وهو ما يعكس تماسك الشعب السوري بكل طوائفه.
الشعر سُبل التواصل والتعبير
في إطار الفعاليات الشعرية، يقدّم العلاوي قصيدتين في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، يعبّر في قصيدته الأولى عن إضاءة نور النبي لقلوب المسلمين، وأن أنفاسه هي التي تروي الفؤاد كما يسقي الغيث الأرض الجافة.
يقول في جزء من قصيدته ” كف النبي “:
آنست منكَ ضِيَاءَ الكون والحجب
فَانْسَابَ نُورُكَ فِي الأقلام والكتب
هَزَّ الرُؤَى نوْركَ الحاني فقُلْتُ لَها
هَلَّا سَكَنْتَ؟ وللإسلام فانقلبي
يَا مَنْ بعثت إلى الأزمان مُبْتَسِماً
فَأَزهر الدَّهْرُ فِي أَيَّامِهِ الجُدُبِ
أَنْتَ الَّذِي أَسْكَنَ الرَّحْمَنُ مَكْرُمَةً
فِي خَافِقَيْكَ، وَخَصَّ اللَّفْظَ بِالْعَجَبِ.
وفي قصيدته الثانية، عبّر عن تأثير النبي صلى الله عليه وسلم في إعادة تأسيس الحضارة والنهى، قائلاً:
“فسد الزمان وليس غيرك سيدي
يرعى الخلائق بعدما قد روعوا
ويعيد تأسيس الحضارة والنهى
ويجب عن خطا بما قد ينفع
فالعفو من أسمى خصالك سيدي
وبظله كل المكارم تجمع”.
خاتماً العلاوي بالقول: شارك في مهرجان البردة أكثر من ثمانية وعشرين شاعراً وشاعرة من عشرة دول عربية، هي فلسطين، والأردن، والعراق، والسعودية، والكويت، والبحرين، وسلطنة عمان، وليبيا، وتونس، إلى جانب شعراء من سوريا مثل الدكتور أنس الدغيم، والشاعر حسن السليمان، وأحمد خياطة، وناصر قره أوغلان، فقد أجادوا، مُبرزين مكانة الشعر في التراث الثقافي السوري والعربي، فقدّم هؤلاء الشعراء قصائد ذات طابع روحاني يعكس محبة الرسول الكريم والتواصل مع التراث الثقافي الغني للمجتمعات العربية.