حديث عن النقد

في ختام زاوية الأسبوع الماضي جرى الحديث عن أثر المناهج الدراسية في المراحل الدراسية كافة، على تكوّن الثقافة النقدية. والأمر لا يقتصر على النقد التشكيلي وحده وإنما يطول النقد بمفهومه الشامل الذي يكاد يغيب كلياً عن مناهجنا الدراسية، فهذه المناهج تعتمد في الأغلب الأسلوب التلقيني وهو أسلوب يدفع الطالب باتجاه حفظ المعلومات وتخزينها في ذاكرته، من دون القدرة في أحيان كثيرة على مناقشتها، وربما حتى على استعادتها بشكل صحيح وبما يخدم الغاية التي من أجلها تستعاد.

لا تخرج عن الإطار السابق بعض المواد النقدية التي درّست في مدارسنا، وخاصة مواد النقد الأدبي، حيث يتعرف الطالب على نموذج لنص نقدي، أكثر مما يتعرف على منهج أو مناهج في النقد، وهذا يعني في الواقع أن يقوم بتطبيق المثال الذي تعلمه على كافة الحالات التي تواجهه، مهما اختلفت وتباينت، بدل أن يتعلم منهجاً في النقد والتحليل يساعده على التعامل العقلاني الواعي مع كل نص يقابله، ويكسبه قدرة صحيحة على تقويمه، إن الحالة السابقة رسخت في أذهان الطلاب وعلى مدى أجيال في أذهان الجمهور بأكمله مسلمات غير قابلة للنقاش بدءاً من الحديث عن أمير الشعراء، مروراً بتصنيف الشعراء في الأرض المحتلة على أساس اتجاهات وطنية وإنسانية وقومية، وانتهاءً بالكثير من المسلمات حول الشعر والأدب والتاريخ والفنون وسواها، وهي في جميعها لا تنفصل عن جوانب كثيرة في حياتنا وتؤسس لنهج في التفكير قائم على التلقي أكثر من استخلاص النتائج.

لقد أدت المقدمات السابقة جميعاً إلى حالتين فيما يتعلق بالكتابات النقدية: أولاهما استسلام النقاد إلى حقيقة ضعف المتابعة لما يكتبونه وبالتالي عزوف بعضهم عن الكتابة، أو بذل جهد أقل لها، وثانيهما استسهال كثيرين للكتابة فيما لا يتقنون ويعرفون اعتماداً على غياب الثقافة لدى المتلقين، وضعف تقاليد القراءة واستعداد الجمهور لتقبل ما يكتبونه للسببين السابقين، وللاعتياد أصلاً على عدم مناقشة ما يكتب إلا في النادر.

إن المادة النقدية عندنا ما زالت تعامل حتى الآن كنص غير قابل للنقاش بفضل أسلوب توجهها إلى الجمهور المماثل أو المشابه للأسلوب التدريسي، ويمكن القول بشكل ما إن نقد النقد هو الأكثر غياباً عن حياتنا الثقافية علماً أنه الوسيلة المهمة التي تحول بين الكتابات النقدية وبين الاستسهال والسطحية وعدم الدقة، ولهذا تكثر عندنا الكتابات النقدية التي تناقش أعمالاً إبداعية لم يتعرف إليها الجمهور، وقد لا يتعرف عليها أبداً.

من ناحية ثانية ولكل ما سبق ما زال مفهوم النقد لدى الكثيرين مفهوماً مشوشاً يكاد يلامس الحديث عن التهجم والتجريح، فما إن يحصل حوار بين نقاد أو فنانين حتى يثير حماسة القطاعات واسعة من الوسط الثقافي ولو كانت تجهل كل شيء عن المسألة موضوع الحوار -ولا أقول الخلاف- وتجد من يدلي بدلوه في الحوار وكأنه معركة، فينحاز إلى هذا الجانب أو ذاك، وبالنتيجة يفقد الحوار الكثير من معانيه أو أهميته، ويبقى طاغياً عليه شكل الخلاف الشخصي لا أكثر، والخلاصة إن ضعف المتابعة والقراءة والاهتمام بتكوين الرأي الشخصي عوامل أساسية تساهم جميعاً في خلق علاقة غير صحيحة بين النقد والجمهور، بل بين الإبداع والجمهور أصلاً، وإن وضعاً صحيحاً للنقد في كل اتجاهاته يتطلب ثقافة حقيقية، ومنهجية لدى الناقد والمتلقي على حد سواء، ومتابعة واعية للنشاط الإبداعي والثقافي وبدون هذه الشروط يصعب افتراض علاقة صحيحة بين الجمهور والنقد، وأيضاً بين الجمهور والأعمال الإبداعية.

آخر الأخبار
البنك المركزي.. توجه عربي ودولي لتطوير القطاع المصرفي موجة التهاب الكبد في سوريا.. قراءة هادئة في الأرقام والوقائع الميدانية تحويل رحلات جوية من دمشق إلى عمّان بسبب الضباب وزير الخارجية الإيطالي يدعو إلى مشاريع مشتركة مع السعودية في سوريا استكمالاً للمسار الدبلوماسي السوري الأميركي.. وفد من "الكونغرس" يزور دمشق استئناف الترانزيت عبر سوريا.. خطوة استراتيجية لتعافي الاقتصاد وتنشيط التجارة الإقليمية معركة التحرير في الاقتصاد.. من الاحتكار إلى الدولة الإنتاجية توقيت الزيارة الذي يتزامن مع عيد التحرير له رمزية...ممثلو الدول الأعضاء في مجلس الأمن في زيارة مرتقب... الاقتصاد الدائري.. مسار جديد لمواجهة التحديات البيئية والخدمية القطاع الصحي في حمص.. تقييمات ميدانية تكشف مزيجاً من التحسن والشكاوى اطلبوا الإعمار ولو في الصين! طلاب المهجر بين فرحة العودة وصعوبات الاندماج.. الفجوة اللغوية في صدارة التحديات لقاءات ندية في دوري المؤتمر كومباني وفابريغاس.. جيل مدربين شباب يصنع مستقبل الكرة الأوروبية الحياة تعود إلى ملاعبنا بعد منتصف الشهر القادم صوت النساء في مواجهة العنف الرقمي صورةٌ ثمنها مئات آلاف الشهداء المواطن يدفع الثمن واتحاد الحرفيين يعد بالإصلاح عندما تكون المنتخبات الوطنية وسيلة وليست غاية! أولى أمطار دمشق تكشف ضعف جاهزية شبكات التصريف