الملحق الثقافي:
الطريق.. عنوان الفيلم الأخير للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد الذي أطلقت المؤسسة العامة للسينما عرضه الأول الأسبوع الماضي، وهو الحائز على ثلاث جوائز في مهرجان «أيام قرطاج السينمائية 2022»: جائزة الجمهور، جائزة السيناريو، وجائزة أفضل ممثل، نالها موفق الأحمد الذي قام بدور الجد..
تدور حكاية الفيلم حول الطالب الصغير صالح الذي قام بدوره «غيث ضاهر» الذي تطلب إدارة مدرسته من جده صالح «موفق الأحمد» عدم إرساله ثانية إلى المدرسة بسبب غبائه وضعف مقدرته على التعلم، فيكتم الجد، وهو استاذ جامعي متقاعد، مضمون الرسالة عن حفيده، ويقرر تولي تعليمه بعد أن يخبره بأنه عبقري وليس بحاجة للمدرسة.. وهي حكاية «مشابهة» في مبناها لحكاية أديسون الشهيرة وتولي أمه تعليمه..
ويبدأ الجد بمهمته مباشرة عندما يطلب من حفيده أن يجلس على الطريق، أمام البيت، ليسجل جميع الأحداث التي يشاهدها من موقعه، ثم يقوم معه بقراءة ما يكتب وتصحيحه، في ظل غياب الأب يونس «ماجد عيسى» الذي يعيش في منطقة بعيدة مع زوجة أخرى ويقوم بزيارات لابنه وأبيه بين حين وآخر .. ثم يقرر الجد بيع قطعة أرض وبناء غرفة صغيرة كمدرسة خاصة يتولى فيها تدريس حفيده إلى جانب أساتذة في الفيزياء والرياضيات..
في سياق هذه السردية نتعرف على إلهام التي أدت دورها الطفلة «رند عباس» وهي زميلة صالح في المدرسة، وعلى علاقة حب تتسم بالبراءة وتقدم له الخبز، لكن تصاب بما يشبه كسر نفسي وعاطفي عندما تكتشف السبب الحقيقي لعدم ذهابه إلى المدرسة، معتقدة أنه كذب عليها..
وتدور الكاميرا في بيئة ساحلية آسرة بجمالها وأجوائها البكر، وترصد شخصيات الفيلم التي تنهل من محيطها البساطة والمباشرة دون تعقيد أو تركيب فكانت أفعالها خارجية توازي هذا الوضوح، حيث مجموعة من البشر تذهب كل يوم إلى جهة مجهولة للدخول في معركة لا نعرف شيئاً عنها، ورأس هذه المجموعة يقول للجد باستمرار «ما الك علاقة»، لتعود وقد تعرضت للضرب كما يبدو على ملابس أفرادها… فيما نتابع الشاعر «أحمد كنعان» وهو يلقي بعض الأشعار لعنترة وعمر أبو ريشة وسعيد عقل في فضاء المكان وهو يعبر الطريق، ولا يتجاوب معه سوى الجد..
ومع المشاهد الأخيرة يعود الحفيد صالح إلى قريته بعد أن أنهى بنجاح دراسته الجامعية كطبيب أعصاب، حيث يفتتح مركزاً طبياً لمعالجة أبناء قريته، وخلال الاحتفال بنجاحه الكبير وعودته يكشف الجد عن السر المخفي في رسالة المدرسة، متحدثاً عن أهمية «الوهم» في تحقيق هذا النجاح..
المكان المترع بجمال طبيعته، يبوح بكثير من التفاصيل الغنية بدلالاتها والتي تحمل العديد من الرسائل الإنسانية والاجتماعية، خاصة التأكيد على مقدرة الإنسان على التعلم في حال توفر الوسائل المناسبة، معرضاً بأنماط التفكير المحدودة وأساليب التعليم التقليدية.. لكن بطء الإيقاع في بعض المشاهد ربما أثر على «حرارة الايقاع» التي بدأ بها الفيلم، لكن البناء السردي والفني خلق علاقة حميمة مع المشاهد من خلال سيناريو باح بالجوانب الإبداعية لكل من كاتبي النص، وأضفت الكاميرا من خلال حركتها المدروسة المزيد من التفاعل بين الشاشة والجمهور في الصالة..
بطاقة العمل:
إخراج: عبد اللطيف عبد الحميد، سيناريو: عادل محمود وعبد اللطيف عبد الحميد..
تمثيل: موفق الأحمد، غيث ضاهر، رند عباس، مأمون الخطيب، ماجد عيسى، تماضر غانم، راما الزين، أحمد كنعان، محمد شما، هاشم غزال، خالد رزق، علاء زهر الدين، نبراس ملحم، عدنان عربيني.
استشارة درامية: حسن سامي اليوسف، مدير التصوير: باسل سراولجي، الملابس: سهى حيدر، مكياج: أحمد حيدر، ديكور: أدهم مناوي، إضاءة دريد رحال، فوتوغراف ومساعد مخرج: يارا اسماعيل، فوكس فولر: طارق شميط، المخرجان المنفذان: علي الماغوط وعلي إبراهيم، سكريبت: أنس شحيبر.
العدد 1123 – 6-12-2022