الثورة- حسين صقر:
” التمس لأخيك عذراً” ..ليس مجرد نصيحة أو مقولة أُطلقت جزافاً، بل قيلت بعد معاناة مع الآخرين، ونتيجة أحكام عرفية طبقها البعض بحق أصدقائهم وأقربائهم وذويهم وزملائهم دون أن يعرفوا السبب الكامن وراء ردة فعل أو تصرف وممارسة كانت بالتأكيد إما غير مقصودة، أو مكرهاً أخاك لابطل.
أخوة تفرقوا، وزملاء ابتعدوا عن بعضهم وصلات قربى انقطعت، وكل ذلك نتيجة لسوء فهم، أو عدم تقدير لمواقف معينة.
أحد الأسباب المهمة التي تقف وراء سوء الفهم هذا، عدم الوضوح أو الشفافية، وعدم استفسار من وقع بحقه الخطأ المزعوم، وذلك انطلاقاً من مبدأ خاطئ، لا أريد أن أعطي ذلك الشخص قيمة عبر العتاب، وأنني لا أريد أن أسمع لأن قناعتي وحدسي لن يكذبا، وهو بالطبع مبدأ مغلوط لأن الشخص الذي نحرص عليه يجب أن نوضح له ماحدث، أو نستفسر منه لماذا حصل هذا الأمر أو ذاك ..
قضايا كثيرة كانت سبباً بانقطاع علاقات يفترض ألا تهزها رياح الشك، أو أعاصير الظن، لأنها بنيت على أسس متينة، ولو كانت تلك الأسس متينة فعلاً لما قوضتها مواقف صغيرة لاقيمة لها، سواء كانت ناتجة عن خلاف مادي أم معنوي.
سوء الفهم الذي نتحدث عنه تكون أسبابه أيضاً عدم الرغبة بالحفاظ على الود والمعرفة، أو كما يسمونه حفظ الأخوة الذي حرصت عليه جميع الأديان والشرائع السماوية والنصوص القانونية والأعراف والتقاليد،
و إذا تطرقنا لشرح معنى حفظ الأخوة سوف يطول الشرح ولن يقتصر على سطر واحد أو صفحة، بل يحتاج إلى كتب ومجلدات لأنه شرح للقيم والمبادئ وترسيخ للأخلاق، وتركيز على قضية مهمة وهي جبر الخواطر، وتقدير ظروف الناس لبعضهم البعض.
ويقول أحد الأشخاص إنني ظلمت زوج ابنتي الذي لاحظت تذمره من زياراتنا المتكررة، حتى جاء يوم وانقطعت عن زيارته، وصرت أدعوه وابنتي لمنزلنا في كل أسبوع أو عطلة أو مناسبة، حتى جاء يوم وقال لي: الآن عليكم بزيارتنا في شقتنا، وقلت له ليس مهماً شقتكم أو شقتنا، المهم اللقاء وأنت يا بني تذمرت ذات يوم من زيارتنا لكم، قال بحرقة: أما أنا كان علي لشخص ديناً، وتوقعت أن يطلبه في ذلك الوقت، وخفت أن أحرج أمامكم، وأشعر بالضعف لعدم قدرتي على السداد، وها أنا اليوم سددت ما علي وبرأت ذمتي، وبيتي ياعمي هو بيتكم، وانجلى سوء الفهم، لكن بعد أن ساء فهم والد الزوجة لصهره، ولولا الوضوح والعتب وتقدير الظروف لحصل مالا يحمد عقباه.
بيوت وعائلات تدمرت، وأسر تشردت وأطفال تيتموا، وآباء ارتكبوا جرائم بحق بناتهم، وأزواج بحق زوجاتهم، وأخوة وأخوات تباعدوا وابتعدوا نتيجة سوء التفاهم، ولو كل شخص حرص على توضيح موقفه لما حصل الأسى والفراق، وما ظلمت أخت أخاها نتيجة هدية أو واجب، ولا صديق نتيجة اتصال هاتفي أو رسالة نصية، ولا جليس نتيجة كلمة أو قصة رواها أحدنا أو مثل ضربناه لموعظة.
اسألوا من تحبون واقتربوا منهم واستوضحوا ما ساء فهمه قبل أن تفقدوهم إلى الأبد، عندها لا ينفع عتب أو لوم، فعندما يغلق الكون نوافذه بوجهكم وتنقطع الأحاديث والرسائل وتختفي الأصوات، لا طائل أو فائدة مما كنتم ترجونه، مالاً كان أم أرضاً أم طعاما ولا هدية.