الثورة – هفاف ميهوب:
في كتابه “الاغتراب في الثقافة العربية” يشير الباحث والأديب “حليم بركات” إلى ما يعيشه الإنسان العربي من اغترابٍ ذاتي واجتماعي، ومن متاهاتٍ تتعلّق بشتى المجالات، ولا سيما في زمن الحداثة وما بعدها، حيث عجزه عن مواجهة تحديات العصر ومواكبتها….
إنها الحالة التي اعتبرها تتّصل بمشكلات التفكّك الاجتماعي والثقافي والسياسي، مثلما بتدهور القيم والتبعية والطبقية والطائفية، وبكلّ ما جعل القوة تهيمن وتسود، بدلاً من التعايش السلمي والتضامن والتكامل والاندماج، وليس فقط على مستوى الأفراد، بل وعلى مستوى الجماعات والمجتمع والأمّة كلّها..
كلّ هذا وغيره، تناوله بإسهابٍ وسعى إلى تبيان أسبابه، مشيراً إلى انعكاساته وآثاره.. أشار إلى العجز وفقدان الحلم والاستسلام والسلبيات، وإلى خطورة العقلية التي تتمسّك بالتقاليد الموروثة التي أنهكت المجتمع والحياة.. أيضاً، العقلية التي تعيش جهلاً وسطحية، بتقليدها الأعمى لكلّ ما يُرد من الخارج، حتى وإن كان ضحلاً ويميل إلى النزعة الاستهلاكية..
فعل ذلك، ليبدأ بعدها بالبحث عن سبلِ الخلاص من هذا الاغتراب وتجاوزه، وهو الهدف الأكبر الذي تمنّى أن يكون فعالاً، وينقل الإنسان العربي من مرحلة الانفعال إلى مرحلة الفعل..
بحث عن سبل الخلاص فوجدها، ودعا الإنسان العربي للعمل على تحقيقها بعد معرفتها..
المعرفة التي تدعو إلى العمل على “تشجيع البحث العلمي والفكري عموماً، مع التشديد على عدم التقليد أو الاقتباس من الخارج، بل على الإبداع والابتكار، وربط الموضوعات بالاحتياجات الوطنية”..
دعا إلى ذلك، مثلما إلى “التعامل مع النظام الكوني الجديد، باستقلاليةٍ واستفادة من الثورة المعلوماتية، وتجنّب الجانب المظلم من العولمة”..
هذا وسواه الكثير، مما يدعو إلى اليقظة المجتمعية والثقافية والتعليمية والإنسانية، هو ما نادى به “بركات” لتجاوز الاغتراب الذي تعيشه المجتمعات العربية بأكملها.. نادى أيضاً، بتنشيط الإبداع والبحث العلمي، وتعزيز دور الثقافة والمثقفين.. الأهم، الإيمان بأن “الثقافة المطلوبة، هي التي لا تفهم مستقبلها بالمقاييس التقليدية، بل انطلاقاً من واقعها الحاضر، وانفتاحها على المستقبل، على أن يبدأ الوعي الثقافي بالتركيز على المشكلات الحاضرة، لفهمها وإيجاد الحلول الفعّالة لها”..