أداة للإبداع في عصر تكنولوجيا المعلومات

الملحق الثقافي- نبيل فوزات نوفل:

اللغة هي الهواء الذي نتنفسه (وردت هذه العبارة على لسان جاك دريدا في ندوة عقدها بالمجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة مايو 2000م)، وهي حولنا تحيطنا من كل حدب وصوب فهي وسيلتنا لإدراك العالم، وواسطتنا التي تحدد المسافة بيننا وبين واقعنا، وأداة تعاملنا مع هذا الواقع، فهي التي تترجم ما في ضمائرنا من معان كما يقول ابن خلدون في مقدمته لتستحيل إلى أدوات تشكل الحياة ،وتوجه أداء المجتمع وسلوك أفراده وجماعاته ومؤسساته،» وهي مسؤولية الجميع مسؤولية المجمع والجامع ومؤسسات التربية والإعلام، والمنظمات الثقافية، مسؤولية الشاعر والعامل والناشر والكاتب والقارئ والمدرس والطالب، إنها الأم التي ترعى كل ناطق بها وكأنه طفلها الوحيد «(د.نبيل علي، الثقافة وعصر المعلومات ص228 نبيل علي)، فهي الذات وهي الهوية، وهي أداتنا لكي نصنع من المجتمع واقعاً، وثقافة كل أمة كامنة في لغتها فهي القلعة الحصينة اللذود عن الهوية والوحدة القومية، فالشعب يفتقر ويستعبد إذا ما سلب منه لسانه الذي تركه له الأجداد عندئذ يضيع للأبد، وبالتالي فاللغة العربية هي أبرز ملامح ثقافتنا وهي أكثر اللغات الإنسانية ارتباطاً بالهوية، وهي اللغة التي صمدت 17 قرناً ومازالت، وللغة علاقة وثيقة بالسياسة أدركها الحكام والمشتغلين بالسياسة منذ القدم.
كما تحتل اللغة دوراً مهماً في المنظومة الاقتصادية كنتيجة منطقية لكون صناعة الثقافة، وبالرغم من أهمية اللغة العربية في وجود الأمة وحاضرها ومستقبلها،فإنها تعاني من أزمات خطيرة لم يولها أهلها الاهتمام وفي مقدمتها كما يرى أمين الخولي في مقدمة كتابه (مشكلات حياتنا الثقافية):»إن آفات حياتنا تعود إلى علل لغوية تعوق تسامي الروح والجسم والعقل والقلب»، إضافة إلى أن الفكر العربي في مجمله ينزع إلى الخطية المفرطة، وهو ذو طابع أستاتي يفتقر إلى الحد الأدنى من الدينامية المطلوبة للتكيف مع الإيقاع السريع لعصر المعلومات، ومن أخطر القضايا المطروحة في علاقة اللغة بالتربية، هي تلك الخاصة بتعريب العلوم فقضية التعريب أصبحت أداة لا غنى عنها لتنمية أدوات التفكير، وتنمية القدرات الذهنية والملكات الإبداعية ويمكن لتكنولوجيا المعلومات أن تساهم بدور فعال في دفع جهود التعريب وذلك من خلال بناء بنوك المصطلحات وتوفير نظم لدعم المؤلفين مزودة بالمعاجم والقواميس واستخدام قواعد البيانات المعجمية ووسائل التحليل اللغوي وكون تكنولوجيا المعلومات قاسماً مشتركاً بين جميع فروع العلوم يجعل منها جسراً للتواصل المعرفي والتكنولوجي، كما أننا ما زلنا نركز على الجوانب الصورية، فقد طغت سطحية قراءة النصوص وضبط أواخر الكلمات على حساب عمق استيعابها والربط بين جملها وإدراك هيكليتها الشاملة وعدم الاهتمام بعنصر الدلالة، وإهمال الجانب الوظيفي لاستخدام اللغة، وعدم تنمية حاسة التذوق لمآثر اللغة العربية شعراً ونثراًن وعزوف الصغار والكبار عن استخدام معجم لغتهم الأم لذلك بات ضرورياً اقتحام المناطق المهجورة واختراق أسيجة التحريم وعبور الأخاديد الفاصلة بين فصائل المعرفة وإقامة الجسور بين المتناقضات،من أجل الوصول للتوازن والاكتمال، وكما يرى الدكتور نبيل علي في كتابه الثقافة العربية وعصر المعلومات» نحن نبدع لغوياً لكي نتعلم لنعمل، فالعمل في عصر المعلومات يعني العمل المبدع، والعمل المبدع يتوقف بدوره على قدرة صانعه على التواصل مع الآخرين.ونحن نبدع لغوياً لكي نتعلم لنكون،فلكي نكون لا بد لنا أن نبدع لغوياً، حتى نثبت تميزنا وتفردنا، واللغة من أهم وسائل التميز ونحن نبدع لغوياً لكي نتعلم لنعرف، فمعرفة عصر المعلومات لا تعد تحصيلاً، بل انتقاء واستخلاصاً وتوظيفاً، وكلها أمور ذات صلة باللغة، ونحن نبدع لغوياً لكي نشارك الآخرين نقاسمهم الحوار، ونتذوق آدابهم، ونمزج تراث فنونهم بتراثنا وجميعها أمور وثيقة الصلة باللغة»، وتالياً علينا أن نشجع صغارنا في المشاركة في أعمال الكبار، وأن نعيرهم آذاننا بصدق، فلم تعد الحكمة في عصر المعلومات حكراً على الكبار فقط، وتالياً علينا تنمية الشعور بالمسؤولية لدى شبابنا وإنضاجهم والعمل على التخلص من نزعات التعصب والعنف واكتشاف الآخر من خلال اكتشاف الذات وتنمية الحوار مع الآخر، وتنمية الرغبة في مشاركة الآخرين، واكتشاف الآخر من خلال اكتشاف الذات، وكما يرى الدكتور نبيل علي في كتابه الثقافة العربية وعصر المعلومات توثيق علاقة اللغة العربية بفروع المعرفة المختلفة، وإعداد فريق من الباحثين من ذوي القدرة على عبور حواجز التخصصات النوعية وتعددها،فيجب إنشاء مركز بحثي متخصص في مجالات علاقة اللغة العربية بتكنولوجيا المعلومات ، وتكنولوجيا الأعصاب، والهندسة الوراثية على أن تشمل خطة المركز البحثية دراسة علاقة اللغة العربية بفصائل العلوم الأخرى، فكما نعلم إن هدف التعليم هو أن نعلم الانسان كيف يتعلم ذاتياً أي كيف يهلك قديم ما يعرفه ويتقنه ليستوعب جديده ويمارسه، خاصة قي عصر فتحت تكنولوجيا المعلومات الكثيفة لغوياً الباب على مصراعيه أمام الولايات المتحدة الأمريكية لكي تجعل من شيوع اللغة الانجليزية رأس الحربة في تنفيذ مخططها لسيادة العالم معلوماتياً وثقافياً واقتصادياً، وأن التنوع اللغوي العالمي يثير حفيظة الأمريكي بقدر كبير لأنه مصدراً للثراء بل للتنمية الاقتصادية،فاللغة انتقلت من دور المقترض من الفلسفة، غلى كونها مدخلاً أساسياً للبحث الفلسفي، إن نظم التشغيل تتعامل حالياً مع اللغة العربية، مثلها مثل اللغات الأخرى على مستوى الحرف، مع زيادة تفاعل نظم التشغيل مع اللغة، وهو توجه حتمي في مجال الثقافة لا بد من التعامل مع هذه النظم لغوياً مع مستوى أعلى من الحرف، مع الكلمة العربية(أي صرفياً) ومع الجملة العربية(أي نحوياً)، وتالياً هناك واجباً قومياً لمساهمة الباحثين والمطورين والمستثمرين العرب في هذا المجال، وضرورة تعليم صغارنا مبادئ البرمجة باللغة العربية، ولقد ثبت للجميع خطورة الدور الذي تلعبه اللغة في تنمية فكر الفرد وتوطيد عرى التماسك الاجتماعي،علاوة على كون تعلم اللغة الأم هو بمنزلة طبقة الأساس التي يبنى فوقها تعلم اللغات الأجنبية.

العدد 1125 – 20-12-2022

آخر الأخبار
سرقة 5 محولات كهربائية تتسبب بقطع التيار عن أحياء في دير الزور "دا . عش" وضرب أمننا.. التوقيت والهدف الشرع يلتقي ميقاتي: سوريا ستكون على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين إعلاميو اللاذقية لـ"الثورة": نطمح لإعلام صادق وحر.. وأن نكون صوت المواطن من السعودية.. توزيع 700 حصة إغاثية في أم المياذن بدرعا "The Intercept": البحث في وثائق انتهاكات سجون نظام الأسد انخفاض أسعار اللحوم الحمراء في القنيطرة "UN News": سوريا.. من الظلام إلى النور كي يلتقط اقتصادنا المحاصر أنفاسه.. هل ترفع العقوبات الغربية قريباً؟ إحباط محاولة داعش تفجير مقام السيدة زينب.. مزيد من اليقظة استمرار إزالة التعديات على الأملاك العامة في دمشق القائد الشرع والسيد الشيباني يستقبلان المبعوث الخاص لسلطان سلطنة عمان مهرجان لبراعم يد شعلة درعا مهلة لتسليم السلاح في قرى اللجاة المكتب القنصلي بدرعا يستأنف تصديق الوثائق  جفاف بحيرات وآلاف الآبار العشوائية في درعا.. وفساد النظام البائد السبب "عمّرها" تزين جسر الحرية بدمشق New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق