الثورة – رشا سلوم:
مع أول مواجهة الإنسان البدائي مع الطبيعة ومحاولة تفسير ظاهرها، طبعا بعد ان ابتكر القراءة والتفكير الأولي، كانت الخرافات والأساطير هي أدواته لتفسير ما يراه..
من هنا نرى كثرة الأساطير في الثقافات القديمة ومنها طبعا الثقافة اليونانية التي تعد ظاهرة فريدة في العالم القديم، فأصولها في البر اليوناني ولكنها امتدت على مساحة اشتملت على ايطاليا والبلقان وآسيا الصغرى وجزر المتوسط، ومع فتوح الاسكندر الكبير تهلينت مصر والشام، ووصلت المؤثرات اليونانية إلى أطراف الصين في آسيا الوسطى وإلى وادي السند. وعندما نشأت روما كمولودٍ يوناني أوصلت المؤثرات اليونانية إلى كل مكان من أصقاع الامبراطورية.
وقد شاركت المناطق ذات التاريخ العريق، مثل سورية ومصر وآسيا الصغرى، أكثر من غيرها في إغناء الثقافة اليونانية، فقد رحل الفينيقي زينون إلى اليونان وأسس في أثينا عقر دار الفكر اليوناني فلسفته الرواقية. كما أنجبت الأرض السورية عدداً من المفكرين الذين رفدوا الفلسفة اليونانية، مثل داماسكيوس الدمشقي، وفيلو نايدوس اللاوديسي من اللاذقية، وبوزيدونيوس الأفامي من أفاميا.
وفي مصر شهدت الاسكندرية أخر صحوة للفلسفة اليونانية في القرن الثالث الميلادي على يد أفلوطين اليوناني مؤسس الفلسفة الأفلاطونية الحديثة، التي أينعت ثمارها في سورية على يد عدد من تلامذة أفلوطين، مثل فورفويوس الصوري من صور، ولونجينيوس الحمصي الذي كان مستشاراً للملكة زنوبيا، ويامبليخوس من قنسرين الذي عاش في أفاميا، وكان من أهم أعماله هذا الكتاب الذي تقدمه دار التكوين لقرائها في ترجمة تتمتع بالدقة وجمال الأسلوب. وفيه يقدم لنا المؤلف السحر لا باعتباره مجموعة من الخزعبلات والممارسات التي لجأ إليها الإنسان في طفولته العقلية، بل باعتباره منظومة معرفية تهدف إلى فهم العالم، اي أنه صفو الفلسفة في مراميها وغاياتها. وسيجد القارئ عبر فصول الكتاب كيف يتشابك السحر الذي يتجلى بشكل رئيسي في السيمياء أي الكيمياء السحرية، مع الفلسفة ويغدو الاثنان بمثابة وجهين لشاقل معدني واحد.
عن هذه الأساطير صدر كتاب : السحر وطقوس الأسرار عند المصريين والسوريين والكلدان،
وهو من تأليف : الفيلسوف السوري يامبليخوس الخلقيسي،
ترجمة : عادل خالد الديري
وقدم له : فراس السواح..
وقد صدر عن دارالتكوين منذ عدة اسابيع ..يضيء الكتاب كما أسلفنا على هذا التراث بغض النظر عما فيه ويفسره بالعلم والمنطق.