الثورة – أديب مخزوم:
معرض التشكيليات (عبير بريك هنيدي، وليزا غازي، وبثينة عرابي، ودعاء بطيخ ) افتتح في المركز الثقافي بأبي رمانة، تحت عنون (أقحوان) متضمناً مجموعة لوحات واقعية وتجريدية مروراً بعدة اتجاهات فنية حديثة ومعاصرة.
التشكيلية (عبير بريك هنيدي) تضعنا أمام لوحات، تعتمد الكثير من العناصر التشكيلية التعبيرية والخيالية، وهي تعالج أشكالها (الإنسانية والنباتية وغيرها) بصياغة فنية حديثة ( رغم تنقلها بين الواقعية والخيالية )، وصولاً إلى إظهار مفردات اللمسات العفوية وتضاريس الخامة، وهكذا تتجه نحو إظهار حركة بصرية تعبيرية تضفي على العناصر عفوية وحيوية، ومن ثم تنتقل في لوحات الوجوه، لإجراء تحوير مقصود، إنها الوجوه والأشكال الحاملة لقلق الجماعة، في هذه المرحلة السوداوية. وبذلك فهي تبحث عن لوحة لا تساير مظهر رواج الصياغة الصالونية والاستهلاكية، بقدر ما تبحث عن الإيقاع الداخلي، الذي يسكن قلب الأشكال وحركات الألوان، كما لو أنها تعبر عن حدة توترات الخارج، المشبع بالموت والخراب والدمار والرعب والاحتقان والقلق والترقب الدائم، بحيث تصبح تعابير العيون وملامح الوجوه وأجواء التحريف المقصود، كأنه مشروع دعوة للتعبير عن تشنجات القلق الإنساني المتواصل في عمق حياتنا اليومية المعاصرة، أو كأنها تستجيب لقدرة اللوحة الفنية الحديثة، على التعبير عن الواقع المأساوي، واستشراف دلالات قدوم المصير المظلم للبشرية.
ولم تكن لوحات التشكيلية (ليزا غازي) التي تتفاوت هي الأخرى بين الواقعية والتجريد، إلا طريقة للوصول إلى صياغة الإيقاعات العفوية لإشارات الأشكال، فالبحث عن مناخات بصرية مختصرة لتكاوين الأشكال الإنسانية وخاصة المرأة، شكل في تجربتها هواجس لاختبار الصياغات التشكيلية المتداولة في الفنون الحديثة، والقائمة في بعض لوحاتها التجريدية، على مبدأ الاختصار التكويني، لإشارات الأشكال وإعطاء أهمية قصوى لجوهر الحركة اللونية والخطية، التي تأخد انكسارات بزوايا حادة وقائمة ومنفرجة.
فالمنطلق التبسيطي لتطور تجربة ليزا غازي، التي مرت بعدة تحولات وتنقلات، على الصعيدين التكويني والتلويني، يعيدنا إلى معطيات الفنون الحديثة ( ومن ضمنها صب أو رش اللون السائل على اللوحة على طريقة جاكسون بولوك)، ونجد الحضور القوي لهذا الاتجاه في أعمالها التجريدية الأحدث، وبذلك عكست لوحاتها المعروضة، مظاهر التأثيرات الواقعية والتعبيرية والرمزية والتجريدية، في الوجوه والأجساد، والأجواء البحرية هي القادمة من مدينة طرطوس البحرية، وصولاً إلى التجريد اللوني والخطي، ففي لوحاتها11) لوحة ـ أكريليك وزيت على كانفاس) سعت للوصول بالتأليف التشكيلي الحديث، إلى تداخلات تقنية وفنية وجمالية، تعبِّر عن روح الفنون الحديثة، فاللوحة هنا تستعرض إيقاعات الوجوه والأجساد أو تصوغها بمزيد من السطوح والمساحات واللمسات والحركات والبقع وصولاً إلى اعتماد النثر اللوني في لوحاتها التجريدية الأحدث، وهذه الدلالات اتخذتها في لوحاتها كإطار جمالي وثقافي.
ونجد (بثينة عرابي) تركز أيضاً على المواضيع الانسانية (ولاسيما الوجوه) بما فيها، من تعبيرات وتجليات وجماليات طفولية وفطرية. حيث تميل نحو التبسيط والاختصار والتعبير بعفوية متناهية. فالشكل الإنساني والوجه الذي تقدمه في مجموعة لوحاتها الصغيرة يأخذ دلالات تأويلية اخرى لأنه يضاعف الإحساس بجمالية الحس الطفولي، بإضفاء المزيد من الاختصار والاختزال، وتجعل الحوار البصري أكثر اتجاهاً نحو المزيد من العفوية والشاعرية. حتى إنها تستخدم الألوان المضيئة كالأصفر والأخضرالفاتح، وتسجل حساسيتها تجاه الألوان الحية والنابضة بالحيوية بدرجاتها المختلفة. وهي تستعيد اللمسة التعبيرية والوحشية حين تعالج الوجوه والأجساد بألوان صفراء وخضراء وبيضاء(نسبة إلى المدرسة الوحشية في الرسم)، وتعمل على إظهار قدرتها على إعطاء اللون دلالات رمزية داخل النسيج التلويني.
كذلك نجد التدرج من الرسم الواقعي في لوحات (دعاء بطيخ) ولاسيما في معالجة أغصان الأشجار العارية، إلى التعبيرية الإنسانية، حيث تعيد الاعتبار للاتجاهات التعبيرية التي عرفتها تنويعات الفنون الحديثة في معالجة الوجوه والأطراف، وهي إلى جانب ذلك ترتبط بإيقاعات تشكيلية مأساوية أسماها بيكاسو مرة (بأنغام حزينة) في تحريفها الشديد للوجوه وحركات الأطراف، كأنها تكشف عن إيماءات الشعور بالعزلة والفراغ وإثارة الخوف والقلق في عالم ضائع لا يعرف إلى أين يتجه، حتى الأشجار العارية لها دلالات تعبيرية، معاكسة لرومانسية مشاهد الطبيعة في ليلة مقمرة، لأنها تعكس بصورة غير مباشرة عراء الأبنية والأمكنة في المدن المدمرة بزلازل الحروب الراهنة.
السابق