الثورة – حسين صقر:
الرجوع عن الخطأ خير من التمادي فيه، والاعتراف بالذنب فضيلة، هي أمثال وخلاصة تجارب وتراكم خبرات، حيث ذلك الاعتراف، والرجوع إلى جادة الصواب أمران مهمان لاستمرار العلاقات بين أفراد المجتمع، و إلا سادت الفرقة والبعاد بين هؤلاء، و ما تشبث كل برأيه، إلا ترسيخ للأفكار المغلوطة، في الوقت الذي يشكل فيه الاعتراف بالذنب الفضيلة كلها، ويساعد على تعزيز القيم والمبادئ التي تساهم في بناء علاقات تسودها المحبة والاحترام والوئام.
نلتقي في حياتنا بأشخاص، من الصعب جداً عليهم أن يعترفوا بأخطائهم، وتراهم يكابرون في ذلك، ويعلمون في قرارة أنفسهم أنهم يسيرون في الدروب المظلمة، ومع ذلك يستمرون في ذلك، ويجادلون على الخطأ غير مدركين أن ذلك الاستمرار يبعد الآخرين عنهم، ويجعلهم وحيدين، وإن سايرهم الناس فهو لاكتفاء شرهم وحسدهم، إنما في غيبتهم ينتقدونهم ويتحاشون اللقاء معهم لأنهم سلبيون بما للكلمة من معنى.
في مجتمعنا ليس الأصدقاء فقط ولا الأقارب، بل الأخوة والأخوات لايطيقون الرجوع عن تلك الأخطاء، لظنهم أن ما يقولونه هو الصحيح، ولو غيروا زاوية الرؤية قليلاً لأدركوا أنهم يقفون في المكان الخطأ، والمشهد لم يكتمل عندهم، وما يرونه ليس إلا جزءاً بسيطاً من ذلك الصحيح، لأن ما يكون لديهم من معطيات قد يحمل في ثناياه وجهة نظر فقط، وليس الحق، حيث الحق لايتجزأ، فإما أن يكون كاملاً أو لا، لأن هناك خطأ وصواب، ولا مناطق رمادية، ولو نصب كل شخص ميزاناً لأعماله، لعرف إن كان على حق أم لا، لكن مع كل أسف أخطاء الآخرين بنظرنا نراها كجسر عبور، وأخطاؤنا إبرة في كومة قش لانراها، وحتى لانريد البحث عنها.
كم من العلاقات تهدمت وأخفقت، وكم من بيوت تخربت، وكم من أخوة وأصدقاء تباعدوا، وكم وكم، وذلك نتيجة التشبث الخطأ بالرأي، وعدم الرغبة بالعودة عن الأخطاء، غير مدركين أن أصعب الذنوب هي التي لايعترف أصحابها بها، ولايريدون حتى من يمسح لهم الغبار عنها.
هناك بعض المفاهيم المغلوطة، وهي أن الشخص الذي يعود عن خطأه إنسان ضعيف، وهو ما يجعل السواد الأعظم من الناس لايعترفون بذلك، وفوق ذلك يعتريهم شعور بأنهم مظلومون، وهم من وقع عليهم الظلم، ولا يدركون أنهم لأنفسهم ظالمين قبل ممارسة القسوة على الآخرين، وتراهم يناقشون ويستمرون في الجدل البيزنطي الذي لايسمن ولايغني من جوع، والموضوع لايكلفهم سوى بعض المبررات فقط، وليس الاعتذار، ويصرون على الوقوف على ضفتهم، دون أن يدفعهم الفضول لمعرفة ما بجعبة الآخر ، لأن الأمر ببساطة يمكن أن يكون مجرد سوء تفاهم بسيط، وحله يكون سريعاً..
بالنتيجة وكما يقول الأقدمون واصحاب الخبرات ومن اتسعت قلوبهم وآفاقهم وفاضت بالخير: إن الاعتراف بالخطأ فضيلة غائبة، تُعبّر عن سلوك أخلاقي واجتماعي راق، يحقق المصالحة ويزيل الأحقاد بين الناس. وهي تبدأ من إحساس داخلي بالخطأ أو التقصير، يتبعه عزيمة صادقة على المراجعة الطوعية الواعية للأعمال والأفكار، التي يقوم بها الإنسان تجاه نفسه أو محيطه الاجتماعي والطبيعي.