الثورة – هلال عون:
في عالم لا يفهم إلا لغة القوة، يمكن للقادة العرب، بل يُفتَرَض بهم أن يحصّنوا سلطاتِهم وأوطانَهم باستثمار سبل دعم شعوبهم لهم خاصة في القضايا الوطنية والقومية التي تتطلب قرارات جريئة قد تتعارض مع مصالح بعض القوى العظمى.
وبما أن أعضاء البرلمانات ومجالس الشورى في وطننا العربي هم ممثلو الشعب فإن إعطاءهم دورهم في تحديد موقف بلداننا من التطبيع مع (إسرائيل) يريح الحكام العرب، ويدعم مواقفهم أمام ضغوط القوى الكبرى من جهة، ويساعدهم على حماية الحقوق الوطنية والقومية من جهة أخرى، خاصة أن الغرب يدعو إلى الديمقراطية، و يدّعي احترامها.
ما لاحظه العالم في مونديال قطر بوضوح شديد هو أن الشعوب العربية ترفض “التطبيع” مع كيان الاحتلال الإسرائيلي ما دام الاحتلال قائماً.
المقترح الذي ناقشه مجلس الشورى في سلطنة عُمان يوم الاثنين 26 / 12 / 2022 لتعديل المادة الأولى من المرسوم السلطاني الخاص بمقاطعة ”إسرائيل” رقم 9/72، وإحالته إلى اللجنة التشريعية والقانونية لإبداء الرأي هو عمل ديموقراطي بامتياز، كما أنه يعبِّر عن احترام القيادة العمانية لرأي الشعب العماني، إضافة إلى أنه يؤشر إلى شجاعة تلك القيادة التي تعلم أنها قد تواجه ضغوطاً دولية بسبب موقفها الأخلاقي من قضايا أمتها العربية، والتي تسعى لحمايتها.
إن التطبيع المجاني مع العدو لا يضيِّع حقوق العرب فقط بل يضيع كرامتهم، والمقاطعة هي أحد الأسلحة لإجبار العدو على إعادة تلك الحقوق لأصحابها، وهذا ما لفت إليه وزير خارجية سلطنة عُمان، بدر بن حمد البوسعيدي من خلال تصريح له لوكالة “إرنا” للأنباء، حين قال عن مشروع القانون: “هو تجسيد لتطلعات الشعب العماني وسائر الدول الإقليمية من أجل التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وفقاً للمعايير الدولية ومبادرة السلام العربية”.
وفي هذا السياق يأتي موقف مفتي سلطنة عمان الذي أيّد بقوّة أحكام مقاطعة “إسرائيل” رغم احتفاظ السلطنة بسياسة الحياد.
لا يستطيع أحد أن يمنع أي طفل عربي من التساؤل: كيف نقيم علاقات طبيعية مع عدونا، بينما العديد من دول العالم غير العربية وغير الإسلامية ترفض إقامة علاقات معه لأنه قائم على الاحتلال؟.
في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى وهم يروّج له البعض، ويظنه البعض الآخر حقيقة، وهو الحديث عن فوائد اقتصادية سيجنيها المطبعون، إذ إن الواقع أثبت عكس ذلك مع القيادات العربية التي بدأت بتطبيع علاقاتها مع العدو قبل عقود.
أما من يظن أن العلاقات مع كيان الاحتلال يمكن أن تؤدي إلى الاستقرار في السلطة، فإن الواقع أثبت أيضاً عكس ذلك، فهذه هي الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الأول والأكبر لـ (إسرائيل) ضحت بأكبر حلفائها المطبعين (الرئيس المصري حسني مبارك).
تجب الإشارة أيضاً إلى أن خطورة التطبيع مع الاحتلال تتأتّى بالدرجة الأولى من أن كيانه نشأ بناءً على عقيدة دينية متطرفة، تعتبر الأرض العربية من النيل إلى الفرات حقاً إلهياً موعوداً له، وسيسعى إلى تحقيق حلمه حين تتوافر له الظروف المناسبة، ولن يكون تغلغله في النسيج الاجتماعي والاقتصادي العربي إلا مقدمة لتحقيق ذلك الحلم بكافة الوسائل الممكنة كالتجسس وشراء الأملاك وإقامة الشركات والتأثير الاقتصادي، خاصة أن المتطرفين منهم يعلنون صراحة وعبر وسائل الإعلام عزمهم على استعادة ما يسمونه حقهم في جزيرة العرب، والذي يدَّعون أن الرسول الكريم محمد (ص) قد سلبهم إياه.
وعلينا ألّا ننسى أن الإرهاصات الأولى لقيادة الاحتلال في فلسطين كانت عبر تغلغل الصهاينة في أرض فلسطين العربية والتملُّك فيها، ومن ثَمَّ إنشاء العصابات وتسليحها لليوم الموعود.
تستحق سلطنة عمان، قيادة وشعباً كل الاحترام والتقدير لموقفها الأصيل والوفي من قضية العرب الأولى فلسطين، ولا شك سيكون هذا الموقف المسؤول سبباً في مراجعة عربية عامة من قضية التطبيع.