الثورة – ترجمة محمود اللحام:
لم تخلق العملية الخاصة التي قامت بها روسيا في شباط 2022 الأزمة الأوكرانية، التي خلقتها وحافظت عليها الهيمنة الأمريكية منذ عام 2004، بل غيرت مسارها فقط، وسرّعت من إعادة تشكيل العالم الذي أُعلن في تشرين الأول 2011 عن طريق الفيتو الروسي الصيني الذي حظر على الناتو أي تدخل عسكري في سورية.
في غضون عشر سنوات، أخذ الخلاف على النظام العالمي على نطاق غير متوقع، ما أدى إلى إغراق مجتمع الأمم المتحدة في انقسام لا يمكن إصلاحه، ويصعب حله بسهولة عبر الدبلوماسية.
يسعى المعسكر الأطلسي بقيادة واشنطن، المهووس بإسرائيل والذي يجسده الناتو عسكرياً، أي 15٪ من سكان العالم بمن فيهم (اليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان، الخ)، إلى الحفاظ على امتياز الهيمنة الذي أكده سقوط الاتحاد السوفييتي.
على الرغم من أن الغرب يخسر، بشكل أسرع مما كان متوقعاً، أصوله، ومواقعه، فضلاً عن نفوذه المتعدد العلماني، إلا أنه يحتفظ بقدرة على الإزعاج يستخدمها بشكل كبير.
هذا الغرب يفضل قواعده التي يتخذها على القانون الدولي، والذي يتجاهله بشكل منهجي، ولم يعد يحسب أفعاله السيئة منذ هيروشيما، ناهيك عن الفوضى التي زُرعت في كل الرياح والعقوبات الجنائية التي ظل بها يغمر الدول المناهضة له منذ ثلاثة عقود.
في مواجهة الهيمنة الغربية، فإن بقية العالم، حيث يعيش 85٪ من أبناء الأرض منتشرين في ثلاث قارات (آسيا، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية)، يضع العالم المتبقي آماله في المشروع الذي تقوده روسيا والصين والقوى الأوراسية، ويقترح مشروعاً متعدد الأقطاب.
عالم يحترم سيادة الدول والاستراتيجيات الوطنية، باعتباره نسخة جديدة من التحالف بين الكتلة الاشتراكية الراحلة وحركة عدم الانحياز، هذا المعسكر “الأوراسي” يصر على احترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
لقد طبعت روسيا على هذا المعسكر صورتها كمرجعية ودعم ضد اندفاعات الأطلسي، إنه تطور شراكة استراتيجية مع الصين يتم تطويرها، تشكل روسيا الخالدة والإمبراطورية السماوية زوجاً جذاباً للشعوب التي تبحث عن التحرر، ورافضة الوصاية المتعالية للغرب.
إن فكرة أن موسكو تدافع عن قضية عادلة وتحمل آمال هذه الأغلبية من الكوكب لا يطيقها الغرب.
هناك بالفعل مجتمعان دوليان لا يشتركان في المعايير نفسها ولا القيم ذاتها، والهامش المتبقي للتفاوض شبه معدوم، والمسؤولية عن ذلك تقع على عاتق أمريكا، التي تجاهلت بشكل منهجي مبادرات روسيا المتكررة. كيف يمكن للحوار أن يستعيد حقوقه؟ لذلك فإن ميزان القوى على الأرض سوف يسود.
يشير سجل الأحداث لفشل الدبلوماسية في عام 2022 بالسوء في مواجهة التحديات الهائلة التي تنتظره في عام 2023، لاسيما المواجهة بين الناتو وروسيا.
المصدر: موندياليزاسيون