رغم أهمية العلاقة الأزلية بين الإنسان والطبيعة وما سببه التراجع البيئي من كوارث تؤثر في عمق الموارد الخاصة بصحة الإنسان والكائنات كلها. إلا أن مشاريع حملات التشجير التي نشطت بالتوازي مع مشكلات الزحف العمراني وتهديد المناطق الزراعية أخذت شكلاً مختلفاً حول الاهتمام بالبيئة والحرص على موضوع تعويض الفاقد النباتي وخاصة بالنسبة لتوزع الأشجار حول المدن والأرياف والطرق الرئيسية.
حملات التشجير حدث موسمي يتكرر كل عام بدءاً من منتصف كانون الأول ويستمر إلى نهاية كانون الثاني من العام الذي يليه وكان منطق التفكير لهذه المشاريع مرتكزاً على دور بعض الجهات الحكومية ومبادرات الجمعيات المختصة في مجال البيئة للحفاظ على الحزام الأخضر للمدن والمناطق المجاورة لها والتي لم تسلم من همجية التخريب على يد المستثمرين لأعمال البناء أو الطامعين في خشب الأشجار.
في كل عام تنطلق المشاريع ويخرج بعض المعنيين برفقة عشرات العمال بما لديهم من آليات لتنفيذ حملاتهم التي قد تكون بمشاركة جمعيات أهلية أوجهات تطوعية بطريقة لا تخرج عن الدعاية والاستعراض، إذ يتم الإعلان عن زراعة آلاف الأشجار في المنطقة الفلانية بينما في الواقع لا يتم زراعة ربع هذه الكمية ضمن هذه المنطقة المستهدفة. حيث تبقى أغلبية الغراس المتبقية ضمن السيارات أو أنها لا تأتي إلى المنطقة أصلاً.
الغريب في هذه الحملات المزعومة هو ما يرافقها من تصريحات تتحدث عن أهداف الاهتمام بالطبيعة وإعادة التوازن الإيكولوجي وحماية الغطاء النباتي بحيث يصعب على المتابع فصل الأهداف الطبيعية عن الاجتماعية وخاصة أن المراد منها القضاء على التصحر وتجميل المناطق. أما الأكثر غرابة فهو تكرار الحملات التشجيرية ذاتها لنفس المناطق في كل عام. دون أن يترك ذلك أثراً واضحاً في تحول هذه المناطق إلى غطاء أخضر أو بداية غطاء أخضر .. وبشكل فعلي إن هذه الغراس لا تلقى أي اهتمام بعد وضعها في التربة إذ يعيش بعضها حتى نهاية فصل الصيف، ثم يموت بسبب عدم الري والإهمال.
أما دواعي الحديث حول هذا الموضوع فهو أننا مازلنا ضمن الموسم المناسب للتشجير، وأنني بشكل فعلي شاركت في ثلاث حملات تشجير على مدى ثلاث سنوات لنفس المنطقة، وكان الإعلان حينها عن غرس 60 ألف شجرة على طريق المطار ومدخل دمشق الشمالي، وهذا يعني أنه تم غرس كميات كبيرة من الشجيرات ضمن حملات تشاركية وحملات تطوعية مع الجهات المعنية لغرس عشرات الكيلومترات. في حين على أرض لم يتحسن وضع الغطاء الأخضر في هذه المنطقة ولم تلق هذه الشجرات وجه ربها وقد اختفى أغلبها من مكانه، هذا من جهة. أما من الجهة الثانية فإنه ومن الملاحظ أن حملات التسابق إلى التشجير لهذا العام قليلة بعض الشيء مقارنة بالسنوات السابقة، مع أن ظاهرة التصحر أصبحت أكبر وضرورة مكافحة تغيرات المناخ والميل إلى الجفاف أصبح أمراً أكثر من ضرورياً كأحد أكثر الأساليب التي يتم الحديث عنها للتعامل لتصحيح البيئة.