أ. د. جورج جبور
من أوائل الأعمال التي قام بها الدكتور بطرس بطرس غالي في ولايته القصيرة أميناً عاماً للأمم المتحدة كان إعلانه اعتزام عقد مؤتمر دولي كبير عن حقوق الإنسان بمناسبة 45 عاماً على صدور الإعلان العالمي. المكان: فيينا. الزمان صيف 1993.
في عام 1987 رشحتني الحكومة السورية لشغل مهمة مدير إدارة حقوق الإنسان في اليونسكو. في أشهر تلت وأنضد من الذاكرة، والمستندات موجودة إن لزم الأمر، كانت لي جلسة مع مدير عام اليونسكو حدثته فيها عن آفاقي في عملي أن تم اختياري له.
ما هي تلك الآفاق؟. محاولة التخفيف من الارتباط المبالغ فيه بين الغرب وحقوق الإنسان.
حدثته عن حلف الفضول وعن غيره. لم يتم اختياري. حدثت من جرى اختياره وهو أوروبي أيضا فلم يشعرني باهتمام.
أتى بطرس غالي، ومؤتمر فيينا. كنت أعمل في مجلس الوزراء، كتبت مقالاً عن حلف الفضول أضفي فيه على الحلف صفة معاصرة. هو أول هيئة لتنظيم الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم إلى أن يثبت العكس”.
ثمة قبله وثائق عن حقوق الإنسان مثل (شريعة حمورابي)، لكن الحلف “منظمة غير حكومية”. تكاد تكون منظمة العفو الدولية بنتاً شرعية لها.
أرسلت المقال إلى الجرائد السورية الثلاث. نشرته صحيفة (الثورة)، في 21 ك الثاني 1993. انتهى الفصل الأول.
أتى الفصل الثاني سريعاً، أما الثالث فقد تأخر. أرسلت المقال بالبريد المضمون إلى د. بطرس غالي في نيويورك.
أجابني بأن الفكرة ممتازة وحبذا بأن تتبنى الأمر منظمة عربية ما لحقوق الإنسان، تحبيذ في محله. لكن فلنلاحظ: كان بإمكانه أن يكون هو فاعلاً أكثر. كان بإمكانه أن يسألني باسم الأمانة العامة إعداد وثيقة. لم يحصل ولم أسأله ذلك. لم أشأ أن أبدو وكأنني أبحث عن تكليف.
تواصلت مع منظمات عربية لحقوق الإنسان فما عادت إلي إجابات. انتهى مفعول المقال مع المنظمة الدولية ومع جمعيات حقوق الإنسان العربية. لكن أوروبا بالمرصاد. في اليوم التالي لنشر المقال هتف لي سفير سويسرا بدمشق. قال إنه اطلع على المقال وان أستاذاً سويسري الجنسية يؤلف كتاباً عن حقوق الإنسان في الإسلام، وقد عرف بالمقال عن طريق السفارة، يود أن يتحدث معي بشأنه.
فعل. بعد أشهر ورد إلي من سويسرا كتاب أنيق بالفرنسية عنوانه “المسلمون وحقوق الإنسان” للدكتور سامي الديب من جامعة لوزان. في الكتاب ذي الست مائة صفحة واحدة تهمني أكثر من غيرها. هي الصفحة الأولى. فيها كلام عن آراء متنوعة بشأن بدايات الاهتمام بحقوق الإنسان.
يورد المؤلف رأي الأمم المتحدة فالحكومة السويسرية فرأي سوري ويشير في هامش الصفحة إلى جريدة الثورة 21 ك الثاني 1993.
الفصل الثالث: في 10 ك الأول 2007، وبعد جهود فردية بدأتها منذ أوائل عام 1994، مع تعيين أول مفوض سام لحقوق الإنسان، وتابعتها بدأب، أعلنت الأمم المتحدة “حلف الفضول” وثيقة أساسية من وثائق حقوق الإنسان. أعلنت. نعم ونعِمَ ما فعلت. إلا أن ما قالته بحاجة إلى تنقيح. لفتُ نظر الأمم المتحدة، لم تلتفت. سألت مندوب جامعة الدول العربية في جنيف أن يلتفت. ما يزال التنقيح مطلوباً، إلا أن ما تم بالغ الأهمية. كانت الثورة أولى بين الجرائد الثلاث عام 1993. أرجو أن تجد كلماتي اليوم الترحيب ذاته التي كان نصيبها قبل ثلاثين عاماً بالضبط.
دمشق صباح السبت 21 كانون الثاني 2023.
*الرئيس الفخري للرابطة السورية للأمم المتحدة